بعد إبداء مجموعة من وزراء المال الأوروبيين رغبتهم في استقالة المدير العام لصندوق النقد الدولي دومينيك شتراوس ـــــ كان، ودعوة وزير الخزانة الأميركي إيّاه صراحةً منذ يومين إلى التخلي عن منصبه، متبوعةً بموقف مماثل لزعيم الحزب الحاكم في فرنسا «الاتحاد من أجل الحركة الشعبية»، قررّ الـ «دون جوان» الفرنسي الاستقالة، بعد دقائق قليلة من منتصف ليل الأربعاء ـــــ الخميس الماضي.
وفي خطاب الاستقالة الذي نشره صندوق النقد الدولي نفى شتراوس ـــــ كان كل التهم الموجّهة إليه، عازياً إقدامه على هذه الخطوة إلى حاجته «إلى تكريس كل قوته ووقته وطاقته لإثبات براءته». وقبلت محكمة في نيويورك، في وقت متأخر أمس، خروج ستروس كان بكفالة من حبسه بتهمة محاولة اغتصاب عاملة في فندق في مانهاتن. وقال القاضي مايكل أوبوس إنه يمكن الإفراج عن ستروس كان (62 عاماً) بكفالة مليون دولار نقداً ووضعه رهن الاعتقال المنزلي على مدى 24 ساعة، مع مراقبة إلكترونية وهي شروط اقترحها محاموه.


وعلى خلفية استقالة دومينيك شترواس ـــــ كان، وبانتظار سير العملية القضائية تبرز إلى الواجهة مجموعة من الأسماء التي سيجري الاختيار من بينها خلفاً للرجل، وقد ذكرت صحيفة «لوموند» الفرنسية عدداً منها، مثل مدير مصرف بوندس بانك الألماني أكسيل فيبار، وتوماس ميرو مدير البنك الأوروبي للإعمار والتنمية، ووزير الاقتصاد التركي السابق كمال درويش وغيرهم. إلا أن الواضح هو أن الكفة تميل إلى وزيرة الاقتصاد الفرنسية كريستين لاغارد في ظل إصرار كثر، بينهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، على إبقاء رئاسة المؤسسة الدولية محصورة أوروبياً، لتتمكن من مواجهة التحديات الاقتصادية التي تحدق بالقارة العجوز، في مقابل تمنيات صينية، على لسان متحدث باسم الحكومة، بإمكان إسناد المهمة إلى الدول النامية أو السائرة في طور النمو، وتشديده على ضرورة أن تجري عملية الانتخاب في ظل أعلى درجات الشفافية والإنصاف.


«ما حصل لشتراوس ـــــ كان يؤكد الحاجة إلى وجود امرأة على هذا الكرسي»، هكذا يعلّق كينيث س. روغوف على ترشيح الرئيسة السابقة لـشركة المحاماة «بايكر آند ماكنزي» في شيكاغو لترؤس صندوق النقد الدولي. ويتابع أستاذ علوم الاقتصاد والتخطيط في جامعة هارفرد، في حديث إلى صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، على أن كونها ستكون المرأة الأولى في تاريخ قيادة هذه المؤسسة، هو جزء بسيط من جاذبيتها، لأنها ببساطة «ذات شخصية قوية وغاية في الذكاء ومخضرمة سياسياً ...».
تعد كريستين لاغارد (55 عاماً) إحدى أكثر سفراء أوروبا تأثيراً في عالم الاقتصاد الدولي، ويصفها البعض بأنها «مفاوضة بالفطرة»، عاشت في الولايات المتحدة فترة تزيد على 25 عاماً، وبأنّها محترمة في واشنطن وفي «وول ستريت» وفي أوروبا. هي امرأة طويلة وتتمتع بأسلوب حياة ولباس عصريين، لكنها ترفض صبغ شعرها تاركة قسماً كبيراً منه يستسلم للشّيب، كذلك تتمتع بضعف شديد تجاه سترات «شانيل».
وتعدّ لاغارد واحدة من القليلين من «النخبة الفرنسية» الذين تفادوا الوقوع في مشاكل كبيرة عملياً واجتماعياً، فهي إلى اليوم لم تتعرّض لأيّ فضيحة من أي نوع، رغم أن النيابة العامة الفرنسية استدعتها أخيراً للتحقيق معها في إمكان استغلالها صلاحياتها في تحقيق رجل الأعمال الفرنسي برنارد تابي أرباحاً كبيرة في عملية مالية عام 2007. قد تكون نقطة ضعفها الوحيدة هي تشاركها مع دومينيك شتراوس ـــــ كان الجنسية الفرنسية، لكن من المتوقع أن تساعدها مميزاتها على تخطي هذه العقبة.