تشهد حملات الأحزاب في هذه الأيام فضائح وتحوّلات من الصعب أن تحصل إلا في تركيا وفي زمن الانتخابات تحديداً؛ من هنا، بات التعاطي الشعبي طبيعياً مع مسائل غير طبيعية بتاتاً، مثل ترشيح أكبر حزبين معارضين، «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية التركية»، أسماء تخضع للمحاكمة بتهم التورط في عصابات «إرغينيكون»، أو ترشُّح ابن مؤسس الحزب الفاشي التركي على لوائح حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي الحاكم، بالتزامن مع انضمام قيادات من نفس الحزب القومي المتطرف إلى حزب «السلام والديموقراطية» الكردي المحسوب مباشرة على «العمال الكردستاني».
كذلك، هبّت رياح الفضائح الجنسية بقوة على بعض الأحزاب، مهدِّدةً إياها بخسارة ما بقي لها من صدقيّة وشعبيّة.
وشُغلت الأوساط السياسية التركية في الشهرين الماضيين بالفضائح الجنسية التي تلاحق قادة حزب «الحركة القومية» اليميني المتشدد، إذ تكفّلت مجموعة أطلقت على نفسها اسم «طوباوية مختلفة» بتدمير جزء كبير من الرصيد الشعبي والأخلاقي الباقي لهذا الحزب، الذي يرأسه أحد رموز اليمين الفاشي التركي دولة بهشلي، الذي تولى منصب نائب رئيس الحكومة بين عامي 1999 و2002. وقد بثّت هذه المجموعة عدداً كبيراً من الأفلام الجنسية من «العيار الثقيل»، التي أدّت إلى استقالة عدد كبير من مسؤولي الحزب ونوابه، وتراجع عدد من قادته عن الترشح للانتخابات. واعتمدت المنظمة أسلوب الابتزاز الواضح، إذ راحت تهدد، في كل مرة، مجموعة من المرشحين والقادة الحزبيين، بينهم بهشلي، ببث أشرطتهم الجنسية إذا لم ينسحبوا أو يستقيلوا، وهو ما أثمر حين استقال عدد من مسؤولي الحزب. وهناك احتمالان بشأن الهوية الحقيقية لهذه المجموعة؛ إما إنها منظمة داخل الحزب «تريد تنظيف الحزب» على حد ما جاء في بيان لها، أو أنّ تسريب الفضائح من عمل أجهزة استخبارية مرتبطة بالحكومة وبحزبها للقضاء على «الحركة القومية»، وفق اتهامات الحزب اليميني المتطرف لـ«العدالة والتنمية» الحاكم.
وقد يكون أحد أبرز المرشحين على لوائح الحزب الحاكم هو أحمد أربسلان توركيش، الذي مثّل ترشحه على لوائح «العدالة والتنمية» بعدما استقال من «الحركة القومية»، صدمة حقيقية في البلاد، لأن الرجل ليس سوى نجل أربسلان توركيش، مؤسس حزب الحركة القومية التركية الذي يُعدّ بمثابة النسخة التركية من الفاشية. وفي تبريره لترشحه على لوائح حزب رجب طيب أردوغان، قال توركيش إنه لم يتلقَّ عرضاً من «الحركة القومية» للترشح على لوائحه، بالإضافة إلى أنّ العرض الذي قدمه له «العدالة والتنمية» والتصنيف الذي وضع فيه على لائحة المرشحين أعجبه. وترشيح الحزب الحاكم لأحمد توركيش ليس مجرد لعبة انتخابية لتقسيم صفوف «الحركة القومية»، إذ إنه ينافس في إسطنبول، المدينة الأكبر في البلاد والتي تتمثل بـ85 نائباً، وهي شبه محسومة لـ «العدالة والتنمية». وسيكون أحمد توركيش في منافسة مع شقيقه توغرول توركيش المرشح على لائحة حزب والده «الحركة القومية».
فضيحة أكبر تعيشها الحياة السياسية الانتخابية في تركيا هذه الأيام، عبّرت عنها استقالة مجموعة من قادة «الحركة القومية»، الحزب القومي المتشدد والعنصري والمعادي جداً للأكراد، لينضمّوا إلى حزب الأكراد، «السلام والديموقراطية». زلزال حصلت وقائعه في محافظة فان، شرق البلاد، عندما استقال مسؤول «الحركة القومية» هناك، عمر بوزكرت، بالاضافة إلى الأعضاء الـ16 للمكتب التنفيذي في المحافظة، لينضموا إلى الحزب الذي يمثل الحركة القومية الكردية، لا التركية، أي «السلام والديموقراطية». وبوزكرت نفسه كان اسماً بارزاً جداً في حزبه من حيث التشدد القومي التركي، وهو يحمل لقب «الذئب الرمادي»، الشعار المقدس للفاشيين الأتراك. وفور تقديمهم استقالتهم يوم الاثنين الماضي، زار المستقيلون الـ17 مكتب المرشح (المستقل نظرياً) عن الحزب الكردي كمال أكتاش، وأعلنوا دعمهم له. حتى إن بوزكرت خاطب حزبه السابق وناخبيه بالقول: «على جميع المنتسبين إلى الأحزاب في شرق وجنوب شرق تركيا أن يستقيلوا فوراً وأن ينضموا إلى حزب السلام والديموقراطية» (الكردي).
أما «الوقاحة» السياسية الكبرى، فكانت ترشيح شيخ المعارضة العلمانية، حزب «الشعب الجمهوري»، 9 متهمين بالتورط بجرائم «إرغينيكون» على لوائحه، أبرزهم على الاطلاق الجنرال المتقاعد شتين دوغان، وهو ما لم يرضَ حزب «الحركة القومية» إلا أن ينافسه فيه، فأقدم على ترشيح متهمين آخرين أيضاً. خطوة أقدم عليها «الشعب الجمهوري» رغم استطلاعات الرأي التي كشفت أن 76.8 في المئة من جمهور الحزب يرفضون التصويت لحزب يرشّح متهمين بالانتماء إلى «إرغينيكون».
وإرغينيكون هي عصابات ألّفها ورعاها النظام التركي وجيشه في مرحلة الحرب الباردة وبعدها، في ما عُرف بـ«الدولة العميقة»، بهدف «حماية الجمهورية من الأعداء»، الشيوعيين والإسلاميين والأكراد تحديداً، وضمّت في صفوفها جنرالات في الجيش والشرطة وقضاة وسياسيين وصحافيين ورجال دين وأعمال. ومنذ عام 2008، تاريخ إحباط آخر محاولات إرغينيكون للانقلاب عسكرياً على حكومة «العدالة والتنمية»، يخضع المئات من المتهمين للمحاكمة بأكبر التهم: الإرهاب، العنف المسلح، ارتكاب الجرائم والتصفيات والإعداد لانقلابات عسكرية.
(غداً: أردوغان يفقد صوابه: تركيّا ستصبح عاصمةً للعالم)



مرشّحون أرمن ويهود ومسيحيّون

يرجَّح أن يصل إلى البرلمان التركي الجديد نائب واحد على الأقلّ، من الأقليّات غير المسلمة، أكان مسيحياً (أرمنياً أو يونانياً) أم يهودياً. ويرشّح حزب العدالة والتنمية في هذه الدورة الانتخابية، 78 امرأة (غير محجّبات)، بينما لدى حزب «الشعب الجمهوري» 109 مرشحات. ولكل من الحزبين الرئيسيين 14 مرشحاً مقعداً. ومن الأمور اللافتة، ترشيح الحزب الحاكم عدداً من غير المسلمين، رغم أنّه لا وجود لبند في القانون التركي يخصّص كوتا نيابية معيّنة للأقليات، علماً أنّ حزب رجب طيب أردوغان قرر استبعاد أكثر من نصف النوّاب الذين كانوا يشغلون مقاعد برلمانية لتجديد الجيل السياسي والحزبي. ولـ«العدالة والتنمية» مرشح مسيحي أشوري، وآخر مسيحي، روم أرثوذكس، بالاضافة إلى مرشحَين أرمنيَّين، في مقابل مرشح أرمني واحد وآخر مسيحي أرثوذكسي وآخر يهودي على لوائح «الشعب الجمهوري»، إضافة إلى مرشح أرمني في «الحركة القومية التركية» الذي لديه أيضاً مرشح يهودي، شأنه شأن حزب «صوت الشعب» الذي تأسس في الفترة الأخيرة، برئاسة نعمان كورتولوش، القيادي السابق في حزب «السعادة» الإسلامي، الذي رشّح يهوديةً على لوائحه. علماً وجود آخر يهودي في البرلمان التركي كان في عام 1999.