إسطنبول| لا شك في أن كل من يهمه الشأن الداخلي التركي فرح بنتائج انتخابات 12 حزيران، بغضّ النظر عن حماسته لهذا الحزب أو ذاك، بما أنّ البرلمان الجديد سيضمّ مجموعة من الأسماء يحتمل أن تحوّل قاعات مجلس النواب إلى حلبة مواجهة شرسة؛ فمن خلال قراءة سريعة لبعض الأسماء الفائزة، يتبيّن أن هذه الدورة البرلمانية ستكون الأكثر إثارة، إذ إنها تؤلف مجموعة من التناقضات، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، من الفنانين إلى جنرالات الجيش، ومن الاسلاميين المتشدّدين إلى أقصى العلمانيين، أكانوا كماليين أم يساريين أتراكاً وأكراداً.
ومن بين النواب الفائزين مغنٍّ ولاعب كرة قدم ومخرج سينمائي ومساجين بتهمة الانتماء إلى عصابات «إرغينيكون» الاجرامية الجاري التحقيق معهم ومحاكمتهم بقضية الاعداد لانقلاب عسكري منذ عام 2007. ومن الأسماء التي تعد بدرجات عليا من التشويق، مجموعة من النواب الأكراد، إضافة إلى بعض اليساريين الجذريين، يضاف إليهم نواب عُرفوا بعدم انضباطهم الحزبي الكامل، وانتفاضهم الدائم على أوامر وتعليمات قيادات أحزابهم. وعند تذكُّر أن هذا البرلمان ينتظر منه إعداد دستور جديد للبلاد، يمكن توقع أن تشهد قاعاته نقاشات حادة للغاية، من غير المستبعد أن تصل إلى عراك وملاكمة، وهو ما ليس بغريب على التجربة البرلمانية التركية.
أحد أبرز الأسماء الجديدة ـــــ القديمة، النائبة الكردية ليلى زانا التي ترشحت مستقلةً بدعم حزب «السلام والديموقراطية» الكردي، وهي الرمز المعاصر للحركة القومية الكردية، علماً أنها تحمل عدداً كبيراً من الجوائز العالمية المتخصصة بحقوق الانسان، منها جائزة «زاخاروف» التي منحها إياها الاتحاد الأوروبي في عام 2005 عندما كانت داخل زنزانتها. وقد نالت زانا شهرتها الأكبر في عام 1991، بعدما انتُخبت نائبة في تلك الدورة، فما كان منها إلا التجرؤ على كسر أكبر حرم سياسي في تركيا: دخلت إلى قاعة البرلمان، لتدلي بقسمها النيابي بلغتها الكردية بعكس ما ينص عليه الدستور التركي. أُدينَت قضائياً عام 1994 لتُسجَن 10 سنوات حتى عام 2004. وزانا ليست مجرد رمز كردي، فهي تسعى لكسر «تابو» تركي آخر، بما أنها تعهدت في حملتها الانتخابية من محافظتها دياربكر، بأن تدخل إلى البرلمان وهي ترتدي الحجاب الاسلامي، رغم أنها لا ترتديه في حياتها اليومية حتى، إنه ليس معروف عنها تديُّنها بتاتاً، لكنها قررت الاقدام على تلك الخطوة بما أن القوانين التركية تمنع وجود نائبة محجبة في الجمعية العامة للبرلمان. خطوة قررت القيام بها في رسالة تضامن مع النساء التركيات اللواتي لا يزلن يرتدين الشعر المستعار فوق حجابهنّ للالتفاف على قانون منع دخول المحجبات إلى البرلمان والجامعات وبعض الوظائف الحكومية.
بعض زملاء زانا في كتلة «السلام والديموقراطية» الكردية لا يقلّون عنها استفزازاً؛ فقد فاز 6 نواب أكراد يخضعون للمحاكمة حالياً بتهمة الانتساب إلى «اتحاد المجموعات الكردية»، وهو التنظيم المديني لحزب «العمال الكردستاني»، وهم غولسر يلدريم، وسلمى إيرماك، وفيصل ساري يلديز، وخطيب ديكل، وإبراهيم أيهان، وكمال أكتاش.
هذا من الطرف الكردي. ومن الجبهة اليمينية المتطرفة، يبدو الوضع أسوأ؛ فقد فاز 3 مرشحين مسجونين حالياً بتهمة الانتماء إلى عصابات «إرغينيكون»، اثنان منهم عن حزب «الشعب الجمهوري»، وهما الصحافي مصطفى بالباي، والعميد الأسبق لجامعة باشكنت، محمد هابيرال، بالاضافة إلى مرشح ثالث فائز عن حزب «الحركة القومية التركية» اليميني المتطرف، الجنرال المتقاعد في الجيش، إنغين ألان. كذلك نجح عدد من النواب المتهمين بالانتساب إلى «إرغينيكون» لكن غير المعتقلين بعد، من بينهم المدعي العام السابق القاضي إيلهان شيهانر، والرئيس السابق لغرفة أنقرة للتجارة سينان أيغون، وكلاهما عن «الشعب الجمهوري». وفي مواجهة الأجواء الحربية التي تشيعها أسماء بعض المرشحين الأكراد واليمينيين المتطرفين في الجلسات المقبلة للبرلمان، يأمل البعض أن يجلب اسم النائب الفائز عن «السلام والديموقراطية» الكردي، سيري ثريا أوندر، بعض السلام والضحك؛ فالرجل مخرج تلفزيوني وسينمائي، مشهور بأفلامه التراجيدية والكوميدية السياسية، وهو رمز للسخرية الشعبية المفرطة في عالم الأفلام التركية التلفزيونية خصوصاً. وأوندر مولود في محافظة أديامان جنوب شرق تركيا، وعانى ذووه من الفاشية طيلة حياتهم، حتى إنه خسر والده منذ كان طفلاً، واضطر للعمل في مهن شاقّة بالنسبة إلى سنّه ليتمكن من إعالة ذويه وأشقائه، مع إصراره على متابعة علمه في المدرسة قبل أن يُسجَن حين كان في المرحلة النهائية من دراسته، بسبب مشاركته في تظاهرة احتجاجية ضدّ مجزرة ارتُكبَت بحق العلويين في مدينة ماراش قُتل فيها 100 علوي تركي، وذلك قبل فترة وجيزة من انقلاب عام 1980 الدموي.
إلى جانب هذه الأسماء، تبرز المغنّية الفولكلورية الشهيرة في تركيا، النائبة العلوية المعروفة بدفاعها عن أبناء مذهبها، صباحات أكيراز التي فازت عن «الشعب الجمهوري». اسم آخر من عالم المشاهير يدخل البرلمان الجديد، هو لاعب كرة القدم الدولي حقان فيدان الذي بات نائباً عن «العدالة والتنمية» الحاكم، وهو الذي قال، فور تبلغه نبأ ترشيحه عن حزبه في مدينة إسطنبول، إنه شعر «كأنه اختير لتمثيل منتخب بلاده مجدداً».



دولت بهشلي يتوعّد أردوغان: لنصفِّ حساباتنا

ردّ زعيم حزب الحركة القومية التركية اليمينية المتطرفة، الذي نجا حزبه من قطوع عدم اجتياز عتبة العشرة في المئة، ونال 13 في المئة من الأصوات (53 نائباً)، على دعوة رجب طيب أردوغان بإقامة السلام وطيّ صفحة الخصومة التي دنت من العدائية، بالقول له: «لا يمكننا بناء السلام قبل تصفية حساباتنا التي تقع مسؤوليتها عليك لأنك دبّرت كل المؤامرات ضدّي»، في إشارة إلى اتهامه أردوغان بالوقوف خلف موجة الفضائح الجنسية التي لاحقت الحزب اليميني المتطرف قبل انتخابات 12 حزيران. وقال بهشلي لصحيفة «ملييت»: «فقط حين تقدّم حكومة أردوغان مَن دبّر وركّب الأفلام الجنسية ضدّ حزبنا إلى القضاء، يمكننا التصالح معهم». ووضع بهشلي شرطاً إضافياً للتصالح مع أردوغان، وهو أن يعتذر له رئيس الحكومة على شتمه في حملاته الانتخابية. شروط تندرج في خانة المتاعب المبكرة التي يضعها خصوم أردوغان الذي بات بحاجة لمساعدة الكتل البرلمانية المعارضة بما أن ذلك شرط لا غنى عنه ليتمكن من عرض دستور جديد للبلاد، لكونه فشل في الفوز بعدد نوّاب كافٍ يسمح له بطرح دستوره الجديد على تصويت البرلمان وليس على استفتاء شعبي. والضربات القاسية التي وجهها أردوغان لحزب بهشلي لا تحصى بما أنه كان يأمل منعه من دخول البرلمان لأن ذلك كان كفيلاً بكسب عدد هائل من النواب في البرلمان.