أعاد الرئيس الأوروغوايّاني خوسي بيبي موخيكا التوازن إلى المسار المتعلق بقانون العفو إثر إجازة التحقيق في 88 حالة خرق لحقوق الإنسان، كانت قد أقفلتها الرئاسات السابقة. وقد اختار لهذا الإعلان تاريخ 27 حزيران، موعد الانقلاب العسكري قبل 38 سنة، وهو يحدث بعد مرور شهر على إسقاط مجلس النواب مشروع تعطيل بعض مواد قانون العفو التي كانت تحول دون التحقيق في هذه الجرائم. وبذلك، بقيت الأوروغواي محكومة بقانون عفو على شاكلة القانون البرازيلي، وبعكس المنحى القضائي المعتمد في الأرجنتين والتشيلي، إلا أن خاصية القانون المذكور في الأوروغواي أنه يجيز لرئيس الدولة رفع الحرم عن عدد من القضايا المقفلة، وإعادتها إلى التحقيق، هي التي تميز الأوروغواي عن البرازيل، وهو ما قام به الرئيس موخيكا. لموخيكا وقانون العفو قصة طويلة. تبدأ في الأيام الأخيرة للحكم العسكري، حيث تتفاوض المعارضة بأطيافها المختلفة (بمن فيهم التوباماروس وكان موخيكا أحد زعمائهم) بشأن المرحلة الانتقالية ومنها قانون العفو الذي واكبها. وتكرست هذه المحادثات الأولية في مشروع اقترحه الرئيس سانغينتي، أول رئيس بعد خروج العسكر، وأقره أكبر حزبين آنذاك (كولورادو وبلانكو) عام 1986. وقد بنيت «الجبهة العريضة»، التي هي ائتلاف لعدة أحزاب يسارية، والتي ستتحول إلى القوة السياسية الأولى في الأوروغواي، على قاعدة رفض هذا المشروع، الذي رأت أنه مجحف ومجاف للحقيقة والعدالة، وهي نجحت في تنظيم استفتاء شعبي حول الموضوع عام 1989، إلا أن الأكثرية الشعبية قررت إبقاء الوضع على حاله. ومع انتخاب مرشحها تاباري فاسكيز لأول مرة للرئاسة عام 2005، عاد الموضوع إلى مقدمة اهتمامات «الجبهة العريضة»، وسحب فاسكيز بعض حالات خرق حقوق الإنسان من النسيان القضائي، كما نجحت الحملة التي تبنتها «الجبهة العريضة» مع شرائح أخرى من المجتمع المدني في تنظيم استفتاء جديد في موازاة رئاسيات عام 2010، وكان موخيكا في مقدمة حملة الاستفتاء. وأتت نتائج الصناديق لتكرس موخيكا رئيساً جديداً... وأيضاً لتكرس للمرة الثانية بقاء قانون العفو سارياً، ولم يعد باستطاعة موخيكا المبادرة.
ومرت الأيام، وصدر حكم من محكمة القضاء الأميركية اللاتينية يطلب من الدولة في الأوروغواي مقاضاة حالات خرق حقوق الإنسان والتزام تعهداتها الدولية، وفي الوقت نفسه، صدر حكم من المجلس الدستوري أضاء على عدم دستورية بعض مواد قانون العفو. وهذان الحكمان أعادا فتح القضية. وبدأت «الجبهة العريضة» تبحث عن وسيلة جديدة توفق بين متطلبات المحكمة الدولية وسريان قانون العفو، فوجدتها في تعطيل بعض المواد القانونية، التي عدّها المجلس الدستوري مخالفة للدستور، بواسطة السلطات التشريعية. إلا أن تخلي نائب واحد من «الجبهة العريضة» عن التصويت الذي حصل قبل شهر في مجلس النواب لمصلحة هذا «التوفيق» ـــــ وقد رأى فيه «التفافاً على الإرادة الشعبية» ـــــ جعل قانون إسقاط العفو يفتقر إلى الصوت الحاسم.
خلال مثول القانون أمام الكونغرس، لم يتدخل موخيكا ناقلاً المسؤولية إلى المشرعين، إلا أنه بعد عودة القضية إلى النقطة الصفر، أراد موخيكا في خطوته أول من أمس إعادة تشغيل عقارب الساعة، وتوجيه رسائل في عدة اتجاهات دون المس بجوهر الموضوع الذي يتخطاه: بلسمة الجراح في إطار «الجبهة العريضة» بعد التمزقات التي عرفتها خلال الشهرين الأخيرين، والتأثير في أحقية النضال لاستعادة الذاكرة والانصياع للمحكمة الدولية، وكل ذلك في إطار القانون الساري المفعول، أي باحترام رأي الأكثرية الشعبية التي رفضت إسقاط القانون.