إسطنبول | كعادته، ضرب رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان عرض الحائط بالعديد من التخمينات التي حاولت استقراء هوية الحكومة الجديدة قبل ولادتها، إذ معروف عن الرجل عمله الجماعي في كل شيء، إلا في تأليف حكوماته، حيث تكون له وحده الكلمة الفاصلة. وسيكون في الحكومة الـ61 في تاريخ الجمهورية، الرابعة لحزب العدالة والتنمية، والثالثة لأردوغان، التي وُلدت أمس، 4 نواب لرئيسها، للمرة الأولى، إضافة إلى 21 وزيراً، 6 منهم جدد والآخرون احتفظوا بحقائبهم، لكن 3 منهم سيكونون على رأس وزارات مختلفة عن تلك التي أداروها في الحكومة السابقة، علماً بأن أبرز المحافظين على مسؤولياتهم هو وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو طبعاً. وعلّق رئيس تحرير صحيفة «أقسام» التركية، إسماعيل كشكايا، على الحكومة الجديدة بتسميتها «حكومة الخمسين في المئة» من الأصوات التي حصدها حزب «العدالة والتنمية» في انتخابات 12 حزيران الماضي. وبرر وصفه بالتذكير بأنّ الوزراء المعيّنين يمثلون الأوساط المحافظة والدينية والليبرالية واليسارية الديموقراطية والقومية، وهي جميعها تيارات ممثلة بطريقة أو بأخرى في صفوف الحزب الحاكم. كذلك فإن وصف الخمسين في المئة يمكن إسقاطه، بحسب كشكايا، على واقع أن نصف أعضاء الحكومة تقريباً تغيّروا. حقيقة اختصرها أردوغان نفسه، بعدما نال توقيع صديقه الرئيس عبد الله غول على الحكومة الجديدة، بالقول إنّه لم يجد ضرورة في استبدال «أصدقائي الوزراء الذين نجحوا في مناصبهم، لأن سنواتنا الأربع الماضية كانت ناجحة جداً». وأشار عدد من المحللين، من بينهم الصحافي البارز في «ستار» محمد ألتان، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن الحكومة الجديدة ستكون «مجموعة أساتذة» يملكون خبرات واسعة كل في اختصاصه، وهو أمر ضروري لنجاح عملية الإصلاح المقررة. وقال ألتان إنّ البرلمان الجديد يواجه مشاكل وتحديات كبيرة، كالدستور الجديد المنتظر، إضافة إلى إصلاحات هيكلية في بنية الدولة وأزمة سياسية حقيقية بسبب قضية النواب المسجونين والقضية الكردية. لكل هذه الأسباب مطلوب حكومة أساتذة كالتي وُلدت».
ومن أبرز ملامح التشكيلة الجديدة، استحداث مناصب لأربعة نواب لرئيس الحكومة، مع صلاحيات كبيرة، بما أن لكل من هؤلاء النواب اختصاصاً سيعمل في إطاره. وقد اختار أردوغان أسماءً بارزة جداً لهذه المناصب، وهم بولنت أرينش، نائب رئيس الحكومة السابق، وهو المعروف بخبرته السياسية الطويلة وبالتزامه الديني الصلب. ثانيهم هو علي باباجان، أيضاً نائب رئيس الحكومة السابق والحالي للشؤون الاقتصادية، وهو الذي شغل سابقاً منصب وزير الخارجية والاقتصاد قبل داوود أوغلو. ثالثهم وزير الداخلية السابق بشير أتالاي الذي سيكون نائب رئيس الوزراء للمسألة الكردية، وأخيراً، بكير بوزداغ، الرئيس السابق للكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية.
وتوقف المراقبون عند اسم أتالاي الذي يُعرف بأنه مهندس «المبادرة الكردية» التي أطلقتها الحكومة في عام 2009 وفشلت في إيصالها إلى تصويت البرلمان، ويعوّل الجميع على أتالاي اليوم لإعادة إحياء الحلول الممكنة للقضية الأكثر تعقيداً في تاريخ الجمهورية التركية. كذلك الحال بالنسبة إلى التجديد لباباجان، بما أنه إحدى أهم الركائز للقوة التركية الصاعدة وهي الاقتصاد، وهو ما يُحسَب جزئياً لجهود باباجان. أما بالنسبة إلى النائب الآخر لرئيس الحكومة، بكير بوزداغ، فسيكون متفرغاً لمسألة الدستور الجديد الذي ينوي الحزب الحاكم فعل كل شيء في سبيل إيصاله إلى الاستفتاء الشعبي. بالتالي، سيكون أمام بوزداغ عمل كبير في محاولة استمالة نواب جدد إلى الكتلة البرلمانية لحزبه، أو خوض اجتماعات التفاوض الطويلة مع الأحزاب المعارضة الثلاثة للاتفاق على مشروع دستور جديد، إذا فشل حزب أردوغان في «سرقة» 4 نواب من خصومه في البرلمان للوصول إلى عتبة الـ330 نائباً الضرورية للتمكن من إحالة مشروع الدستور الجديد على الاستفتاء. وكان لافتاً خسارة وزير الدفاع السابق، وجدي غونول، منصبه، وهو ما عزاه البعض لما كشفته برقيات «ويكيليكس» من أنه اشتكى زميله داوود أوغلو للأميركيين على قاعدة أن البروفسور أحمد «رجل خطير بالنسبة إلى المصالح التركية ـــــ الأميركية». وبدل غونول، عُيّن المحامي البارز عصمت يلماز المعروف بمحافظته الإسلامية.
وتعقد الحكومة الجديدة أولى جلساتها صباح اليوم، على أن تقدم بيانها الوزاري غداً الخميس لتنال الثقة في البرلمان في اليوم نفسه.