من يكون رئيس روسيا الجديد؟ اسمان فقط يُطلّان برأسيهما في بلد الـ 145 مليون نسمة. ربما هو اسم واحد. فالثاني قد يكون مجرد صورة لخلق حراك سياسي ديموقراطي في البلد. هما الثنائي المتمثل بالرئيس ديمتري مدفيديف ورئيس وزرائه فلاديمير بوتين. حتى اللحظة، لم يعلن أيّ منهما ترشحه للانتخابات الرئاسية في آذار المقبل، لكن بوتين بدأ الإعداد لحملة انتخابية مثيرة. كيف لا والنساء بطلاتها؟لا شك في أن رئيس الوزراء ليس شخصاً عادياً. لا يُقاس ذكاؤه على مقياس الخدمات الحياتية أو القطاعات الإنتاجية، بل من خلال صورة الرجل القوي الذي عكف على ترسيخها في عقول الروس، إلى حد التخدير. بوتين الرياضي والصياد والشرس، صاحب العبارات الشعبية، الواثق بنفسه، لكن ماذا عن بوتين والمرأة أو بوتين والجنس؟

انتشر شريط فيديو على الإنترنت يدعو الفتيات في جميع أنحاء البلاد إلى التوحّد دعماً لبوتين، وإنشاء «جيش بوتين»، من خلال تمزيق ملابسهن. في الشريط فتاة تدعى ديانا، تسير على وقع موسيقى صاخبة. ترتدي بذلة رسمية، كعبٌ عال، وتحمل «آي فون». شقراء، تسلط الكاميرا الضوء على صدرها. تُعرّف عن نفسها: «أنا مجنونة بالرجل الذي غيّر الحياة في بلدنا». تضيف «سياسي متمكّن، رجل أنيق. إنه فلاديمير بوتين. يعشقه الملايين، لكن هناك حفنة من الناس الذين يبصقون عليه. ربما يفعلون ذلك لأنهم خائفون، أو عاجزون عن أن يكونوا مثله». تتابع ديانا سيرها لتصل إلى الشاطئ، حيث تنتظرها فتاتان مستلقيتان تحت الشمس. على قميص أبيض، تكتب ديانا بأحمر الشفاه: «أُمزّق نفسي من أجل بوتين». ترتدي القميص، تمزقه، وتصور الكاميرا عملية التمزيق هذه عند صدر ديانا.
للصورة تأثير كبير لدى الروس. ولا يمكن إغفال أن وصف الصحف الروسية والغربية مدفيديف بـ «تابع» بوتين، باستثناء قلة، قد رسمت صورته الضعيفة في أذهان الكثيرين. إحدى الروسيات القاطنات في لبنان، ترى أن خطابات مدفيديف ركيكة، يشوبها التردد والتلعثم، بعكس بوتين، التي ترى فيه رئيساً حقيقياً للبلاد. وتبدو شبه متيقنة من أنه سيتوج رئيساً عام 2012.
خلال زيارته العاصمة بكين، اعترف مدفيديف بوجود خلاف بينه وبين بوتين على سبل النهوض بروسيا، لافتاً إلى أن ذلك أحد مظاهر النهج الديموقراطي في البلاد. وأشار إلى أن «دوره كرئيس يختلف عن دور رئيس الحكومة». فالأول ذو توجه ليبرالي، يحمل في جعبته سياسة التحديث (modernization) ومحاربة الفساد، حتى لتشعر كأنك أمام صورة ناصعة البياض لروسيا، فيما لا يزال الثاني يتبع نهجاً تقليدياً. لذلك، تفضل الولايات المتحدة بقاء مدفيديف رئيساً لولاية جديدة، لطراوته في مقاربة الأمور مع «العدو السابق»، بعكس بوتين البراغماتي، الحريص (أكثر من مدفيديف) في الوقت نفسه على التذكير بنوايا الغرب حيال بلاده.
وفي السياق، تحدد الخبيرة السياسية والاجتماعية الروسية، إيرينا هاكامادا، لوكالة «ريا نوفوستي»، ثلاثة سيناريوهات لتطورات الحملة الانتخابية الرئاسية. تقول: «الأول هو ترشح مدفيديف بالاتفاق مع بوتين، الذي يحتفظ بمنصب رئيس الوزراء ويسيطر على التدفقات المالية الرئيسية، فيما يستمر الأول في عملية تحديث البلاد بصفته الرئيس. الثاني يتمثل في أن يجري الاتفاق على أن يترشح بوتين للرئاسة، مع ضمان أن يحصل مدفيديف على موقع جيد. أما الخيار الثالث، فيكمن في توجههما معاً إلى صناديق الاقتراع لخوض الانتخابات وتنشيط المجتمع، ولفت الانتباه إلى حقيقة أن الديموقراطية لا تزال موجودة في روسيا».
لكن ما هو السيناريو الأغلب؟ أو هل لدى مدفيديف حظوظ بالفوز في حال ترشحه للرئاسة؟ يقول نيكولاي بتروف، محلّل الشؤون الروسية في معهد «كارنيغي»، إن «بوتين لم يقدم أي مؤشرات على أنه يخطط لمغادرة السلطة»، مضيفاً «في أي نظام مبني على سلطة الفرد الواحد، يكون التخلي عن السلطة منوطاً بثورة أو انقلاب فقط». ويتساءل «هل هناك سبب للاعتقاد بأن رجال الأعمال والسياسيين قلقون حيال مستقبل البلاد الاقتصادي، وأنهم مستعدون للتخلي عن راحتهم في سبيل التحديث؟ ربما كانوا خائفين قبل عامين، لكن مع ارتفاع أسعار النفط، ليس هناك ما يدعو إلى القلق بعد الآن».
يرى بعض المحللين أن مدفيديف شاب، مقارنةً ببوتين. يخاطب الشباب بالتحديث من خلال العالم الافتراضي. ويرون أن بقاء مدفيديف سيجعل روسيا تسير على الطريق الصحيح، لكن مصطلح «التحديث» وتشجيع الاستثمارات ليسا وحدهما كافيين لبناء دولة. ماذا عن دعم قطاعي الزراعة والصناعة مثلاً؟ إنه التحديث في مقابل «الشعبوية». التقى بوتين الشهر الماضي عمال مصنع تعدين في مدينة ماغنيتوغورسك. وقالت صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» إن أحد العمال سأل رئيس الحكومة عن القيم التي يجب تنشئة الطفل عليها ليصبح رئيساً للبلاد، فأجاب: «الاستقامة. على المرء أن يكون مستقيماً مع أقربائه وزملائه ودولته. أما الصفات الأخرى، فهي المعرفة والمهنية والقدرة على بناء العلاقات مع الآخرين». ورأى المحلل السياسي ألكسي مالاشنكو أن هذا السؤال سمح لبوتين بطرح نقاط برنامجه الانتخابي، وذلك بالتركيز على مطالب شخص بسيط من عامة الشعب. هكذا يحاول بوتين أسر الروس من دون برنامج انتخابي واضح. يكفي أن يتصدى للمشروع الغربي إزاء روسيا. يكفي ربما أنه أعادها إلى الساحة الدولية. لكن ماذا عن استخدام النساء. هل هو إفلاس سياسي أم «بروباغندا» ذكية؟
ويبقى موقف «ويكيليكس». عودة بوتين أمر لا مفر منه. هذا ما يقوله الساسة الروس للدبلوماسيين الأميركيين. ويبدو هذا الأكثر ترجيحاً.