قبل حلول الأول من آب بنصف ساعة، استطاع البيت الأبيض وقادة الكونغرس الأميركي التوّصل إلى اتفاق على رفع سقف الاستدانة وإنهاء الكباش الدائر منذ أسابيع بين الجمهوريين، الذين يتحكمون في غالبية الأصوات في مجلس النواب، والديموقراطيين المسيطرين على الرئاسة ومجلس الشيوخ. هكذا رُحلت الأزمة عاماً، إذ سيؤجل النقاش بشأن زيادات الضرائب والمزيد من الخفوضات في الاتفاق إلى السنة المقبلة، أي عام الانتخابات الرئاسية.وينص الاتفاق على خفض فوري للإنفاق بقيمة تريليون دولار، وخفوضات لاحقة بقيمة 1.5 تريليون دولار، على أن يُطرح إمكان اعتماد موازنة متوازنة على التصويت، وهو مطلب جمهوري قديم. يسمح الاتفاق برفع سقف الاستدانة بقيمة 900 مليار دولار، على نحو فوري، ثم لاحقاً إذا اعتمدت موازنة متوازنة أو جرى خفض 1.5 تريليون دولار من الإنفاقات (أو الاثنين معاً) يرفع سقف الاستدانة بالمبلغ نفسه. واذا لم يُنفّذ أي من المقترحين، يرفع سقف الاستدانة بقيمة 1.2 تريليون دولار. سيسمح ذلك لوزارة الخزانة الأميركية بأن تقترض ما تريده من مال حتى بداية 2013، حينها، قد يكون تغيّر ساكن البيت الأبيض، أو تغيّرت الغالبية في الكونغرس.
سيقتطع أكثر من نصف الـ900 مليار التي سيرتفع بموجبها سقف الاستدانة من الإنفاق الأمني، أي من وزارة الدفاع، وزارة الخارجية، الأمن الداخلي وتقديمات المتقاعدين من الجيش. وزارة الدفاع وحدها، ستتخلى عن 350 مليار دولار من نفقاتها. وإذا اختلف الطرفان لاحقاً على الجهة التي سيتقطع منها مبلغ 1.5 تريليون دولار، ولم يوقّع قانون بشأن ذلك، فستطاول الخفوضات تلقائياً وزارة الدفاع، كما ستطاول قسماً من التقديمات الاجتماعية، لكن ليس تلك التي يستفيد منها الفقراء، أي الرعاية الصحية والاجتماعية.
إذاً، انتهت الأزمة مساء الأحد، بعد جلسات ماراتونية في الكونغرس طيلة نهاية الأسبوع، ومشاورات واكثر من اقتراح قدمت وسحبت، وعُلّقت جلسات الكونغرس أكثر من مرة، السبت والأحد، قبل التوصل إلى اتفاق. وبالنتيجة، هناك خاسرون ورابحون من الأزمة.
الخاسر الأكبر هو الكونغرس، الذي لم يستطع مسؤولوه التوصل الى اتفاق بسرعة، ما يزيد من السخط الشعبي تجاه الممثلين فيه، ويضر بصورة بعض النواب والشيوخ ممن كانوا أبرز «نجوم رفع سقف الاستدانة»، كذلك قد يكون الأميركيون دفنوا مسألة تأليف لجان تشريعية في الوقت الحاضر، إذ أثبتت فشلها مرة أخرى (يلجأ الأميركيون إلى تأليف اللجان، في كل المسائل الخلافية، وغالباً ما تفشل).
أما أبرز الرابحين، فهو زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل. فهو ساعد على التوصل الى الاتفاق، وكان طيلة المفاوضات صوت العقل في الجانب الجمهوري، وسط تعنت النواب الجدد، ورفضهم أي اتفاق مع الديموقراطيين. وأتت الصفقة النهائية وبصمات ماكونيل عليها، كذلك يعد «حزب الشاي» من الرابحين، إذ استطاع مناصروه في الكونغرس فرض بعض آرائهم على رئيس المجلس، جون باينر، الذي كان بحاجة إلى أصواتهم لتمرير الاتفاق.
ماذا عن أوباما؟ يرى بعض المراقبين أنّ الرئيس الأميركي خرج رابحاً من الأزمة، لأنّه استطاع التوصل إلى صفقة تتيح للحكومة الاستمرار في عملها، وذلك رغم أنّ الليبراليين سيصبون جام غضبهم عليه، لأنّ الاتفاق لا يتضمن زيادة ضرائب على الأغنياء، كما أرادوا، وتوقعوا من رئيسهم أن يفعل. هذه النقطة الأخيرة، يركز عليها محللون آخرون لبرهنة أنّ أوباما هو من الخاسرين. فهو لم ينفك يردد طيلة الأسابيع الماضية أنّه لن يجري الاتفاق على أيّ صفقة طالما أنّها لا تتضمن زيادة على الضرائب، لكنّ الرئيس تنازل أمام المطالب الجمهورية، ووافق على أن لا تتضمن الخطة مسّاً بحقوق الأغنياء، كما أنّ الخفوضات اللاحقة في الإنفاق لا تتضمن أيضاً زيادة الموارد عبر الضرائب، ولن يقبل الجمهوريون أن يعودوا إلى طاولة المفاوضات من أجل إدخالها في الصفقة.
المرحلة الأصعب انتهت، ويبقى التصويت على الصفقة، إذ جرى تأجيل ذلك إلى اليوم لصياغة تفاصيل الاتفاق، وهنا تكمن عقبة جديدة، إذ يتوقع الطرفان، الديموقراطي والجمهوري، أن يكون هناك بعض المنشقين أثناء التصويت، لكن بدون أن يتعرض الاتفاق للخطر. فبعض النواب والشيوخ من الطرفين سيرفضون المشروع بسبب رفض ناخبيهم بعض بنوده، وهم لا يريدون خسارة الأصوات قبل عام على الانتخابات. في الجانب الجمهوري قد يجد رئيس مجلس النواب، جون باينر، بعض الصعوبة في إقناع اصدقائه في لجنة القوات المسلحة، وهم من صقور حزبه، بقبول خفض موازنة الأمن والدفاع. أما الليبراليون في الجانب الديموقراطي، فلن يصوّتوا على قانون لا يتضمن زيادة الضرائب على الأغنياء. وسيجد هؤلاء تأييداً من الصحافة الليبرالية واليسارية، التي بدأت أمس حملة ضد الصفقة باعتبارها «حلاً يثير الغثيان».