يكفي إلقاء نظرة على الإشادات التي انهالت على الرئيس الجديد بالوكالة لأركان الجيش التركي، نجدت أوزل (الذي ينتظر تعيينه بالأصالة يوم الخميس)، في الصحف التركية الموالية، للتأكُّد من الرجل الذي عيّنه رجب طيب أردوغان على وجه السرعة، إثر استقالة جنرالات الجيش يوم الجمعة الماضي، قائداً للقوات البرية تمهيداً لنقله إلى رئاسة الأركان، سيكون بالفعل شريكاً حقيقياً للسلطة السياسية في إدارة علاقة جديدة مع المؤسّسة العسكرية. علاقة يرجَّح أن يكون عنوانها ترسيم دور جديد للجيش بعيداً عن المهمة التقليدية التي رسمها مصطفى كمال له، على أنه باني الجمهورية وحامي نموذجها العلماني وصاحب الحق بالقيام بكل ما يراه من مصلحة الجمهورية وعقيدتها القومية المتشدّدة التي تبرّر له ارتكاب الجرائم والقيام بالانقلابات، وفرض إرادته على السلطات المنتخبة تحت شعار «الأمر لي». فالجنرال أوزل، صاحب الـ 61 عاماً، الآتي من قيادة الشرطة التركية إلى رئاسة الأركان في ظروف استثنائية، يمتلك عدداً من المؤهّلات والأرصدة المهنية والشخصية التي راكمها خلال خدمته العسكرية الطويلة، جعلت منه المرشح الأوفر حظاً لدى أردوغان والرئيس عبد الله غول. باختصار، إنّ اختيار أوزل ليخلف عشق كوشانر «المتمرّد» جاء لأسباب عديدة، أبرزها:ــ أولاً: الرجل، رغم أنه أحد تلامذة المدرسة العسكرية القديمة، إلا أنه غير متورّط بأي من الانقلابات العسكرية الأربعة التي نفذها الجيش (1960 و1971 و1980 و1997). ميزة أخرى تضاف إلى سجله النظيف هي أنه معروف بين زملائه برفضه التعاطي في الشؤون السياسية وإيلائه أهمية كبرى لمسألة حقوق الإنسان في صميم «الحرب على الإرهاب» (الكردي طبعاً). من هنا تصفه الصحف التركية الموالية بأنه رجل «لا سياسي»، ويحرص على حيادية مسيرته العسكرية المهنية. أكثر من ذلك، فإنّ أوزل، الضابط ابن الضابط أيضاً، من «مؤيّدي خضوع المؤسسة العسكرية للسلطات السياسية والقوانين المرعيّة» بحسب صحيفة «توداي زمان» المقرَّبة من حزب «العدالة والتنمية» الحاكم. ويُسَجَّل له قوله أمام جنوده في الفرقة السابعة التي كان قائدها في عام 2004 إنّ «الجيش ضروري في هذه الفترة ليساهم في دعم السياسة الخارجية التركية بما أن هناك مشاريع كبيرة تتعلق بمصادر الطاقة في الشرق الأوسط ومنطقة القوقاز».
ــ ثانياً: أوزل، الذي تنقّل في عدد كبير من المناصب العسكرية، يجاهر بعدم ممانعته تطوير الجيش التركي بعكس «الحرس القديم» الذين يرفضون التجاوب مع مشروع أردوغان في نقل مؤسّستهم لتصبح جيشاً محترفاً أقل عدداً مما هو الآن، لكن أكثر تطوراً وحداثةً. وفي السياق، يسجَّل أن أوزل هو فقط ثاني رئيس لأركان الجيش التركي (بعد إسماعيل حقي كارادايي بين 1994 و1998) لم يتلقَّ تدريباً عسكرياً في الولايات المتحدة، ولم يتولَّ مناصب قيادية في قوات حلف شمالي الأطلسي الذي يحتل الجيش التركي فيه مرتبة ثاني أكبر جيش (بعد الجيش الأميركي). ومع ذلك، سيكون لديه مهمات خارجية عديدة حيث ينتشر جنوده من أفغانستان إلى جنوب لبنان. وعن العلاقة الإيجابية المتوقّعة بين قيادته والسلطة السياسية، يُنتظَر أن يتم في عهده حلّ أزمة احتكار قيادة الجيش للمعلومات الاستخبارية التي أدت إلى أزمات كبيرة بين الطرفين.
ــ ثالثاً: أوزل، المولود في أنقرة، يملك رصيداً إيجابياً في العلاقة مع أكراد البلاد، رغم أنه قاد الفرقة السابعة في محافظة دياربكر ذات الغالبية الكردية طبعاً، ومنها قاد حملات عسكرية ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في المناطق العراقية الحدودية. وخلال هذه الفترة، عُرف عنه إقامة علاقات جيدة مع محافظ دياربكر والسلطات المدنية في المنطقة. وعلاقته الإيجابية نسبياً مع الأكراد تُرجمت برضاه الضمني عن «المبادرة الكردية» التي أطلقتها حكومة أردوغان في 2009 وعارضها قائد الجيش في حينها إلكر باسبوغ.
ــ رابعاً والأهم ربما، أنّ أوزل على علاقة جيدة مع أردوغان شخصياً، تحديداً منذ أن خاض رئيس الحكومة في العام الماضي معركة ترقيته في «المجلس العسكري الأعلى» رغماً عن معارضة قائد الجيش باسبوغ في حينها، الذي كان راغباً في تعيين أحد الجنرالات المعتقلين بتهم محاولة تدبير انقلاب على الحكومة، مكان أوزل في قيادة الشرطة. انتصرت إرادة أردوغان وبدأت قصة العلاقة الجيدة مع أوزل منذ تلك الواقعة، حيث ردّ الأخير «الجميل» لرئيس حكومته مرّتين حين تمكّنت قواته من إحباط محاولتَي اغتيال لأردوغان في 24 و31 أيار الماضي في منطقتي هوبا وشيرناك خلال الجولات الانتخابية لرئيس الوزراء.