أتت جلسات مجلس الأمن التي عقدت في مقر الأمم المتحدة في نيويورك أمس، بناءً على دعوة من ست دول، على رأسها ألمانيا التي تريد «التنديد بقتل المدنيين العزّل» ووضع سوريا على مشرحة المجلس شهرياً من خلال تقارير يعدّها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ومساعدوه. وفيما ترى بعض الدول ضرورة مناقشة الوضع السوري في جلسات دورية، على غرار ما يحدث في الأزمة الليبية، تفضّل دول أخرى إصدار بيان أو قرار يستنكر العنف من أي جهة أتت، بما في ذلك ضد قوى الأمن السورية، وتدعو إلى الإصلاح والحوار وضبط النفس من كافة الأطراف. وهنا برز الموقف اللبناني الخاص الذي يتحدث عن حساسية لدعم أي قرار أو بيان ضد سوريا بأي صيغة أتى.
هذه المآزق عبّر عنها بوضوح وصراحة رئيس مجلس الأمن الدولي لهذا الشهر، مندوب الهند، هارديب سينغ بوري، فوصف المشاورات التي جرت في المجلس بأنها كانت تحاول تقريب وجهات النظر بين مشروع القرار البريطاني المطروح منذ شهرين، وبين اقتراحات برازيلية وهندية وأفريقية جنوبية لمزاوجة عناصر بيان رئاسي مع عناصر القرار الغربي المتعثّر.
البيان الرئاسي اصطدم بالرفض اللبناني القاطع فعطّله. لذا اجتمع مندوبا البرازيل وبريطانيا في وقت متأخر أمس لتقريب وجهات النظر ووضع صيغة للاتفاق على بيان يمكن تحويله إلى قرار من أجل الالتفاف على المعارضة اللبنانية، علماً بأن دولاً كبرى مثل روسيا والصين تمسكتا أمس بمعارضة أي قرار يصدر عن المجلس.
من هنا كانت الصعوبة في التوصل إلى مواقف متقاربة، وراهنت الدول الغربية على انقسام في صفوف المعارضة يمنحها القدرة على استصدار قرار بتسعة أصوات أو أكثر تساند خطواتها الأحادية التي فرضت بموجبها عقوبات على دمشق، وتبني عليها.
روسيا سجلت أمس تساهلاً نسبياً في المحفل الدولي، حيث قال وزير خارجيتها سيرغي لافروف، إنها «لا ترفض التحركات رفضاً قاطعاً». وأوضح أن العنف ضد المدنيين «غير مقبول» و«ينبغي أن يتوقف».
وقال مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الروسية، سيرغي فيرشينين، إن روسيا ليست ضد أي قرار بالمطلق، «لكن إذا كانت هناك عقوبات غير متوازنة أو ضغوط فإنني أعتقد أن الضغوط رديئة لأننا نريد الحدّ من سفك الدم وزيادة الديموقراطية».
لافروف أكد أنه يقبل التحرك في المجلس ما دام لم يلجأ إلى ممارسة الضغوط وفرض العقوبات. فيما قال مندوب روسيا الدائم لدى مجلس الأمن، فيتالي تشوركي، الذي غادر قاعة المشاورات مبكراً تاركاً المتابعة لمساعديه، «أعتقد أن استصدار قرار أمر مبالغ فيه بعض الشيء»، مفضّلاً الاكتفاء بإصدار بيان يدعو إلى إنهاء العنف وإيجاد حلول سلمية عبر الحوار.
هذا الموقف تزامن مع تحذير رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الاتحاد الروسي، ميخائيل مارغيلوف، من اتخاذ قرار حول سوريا يشبه القرار 1973 حول ليبيا، مضيفاً أن «إغلاق الأجواء» فوق سوريا قد يؤدي الى «حرب شاملة».
كذلك نقلت قناة «روسيا اليوم» عن مارغيلوف قوله إن «التدخل العسكري في سوريا لصالح المعارضة لن يقتصر بالواقع على مساندة القوى الديموقراطية»، لافتاً إلى وجود «بعض المعلومات تشير إلى ان (المعارضة) ليست معارضة علمانية، رغم أنها تخرج تحت شعارات نظام ديموقراطي».
الدول الغربية الكبرى، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، تمسكت بفكرة القرار الذي من شأنه التمهيد إلى إجراءات على مستوى المحاكم الدولية مهما كان ضعيفاً. وأعادت بريطانيا داخل الاجتماعات المغلقة طرح مشروع القرار القديم مع شيء من التعديل التقني عليه، كما أكد مندوب الهند الدائم، ونوقش في جو يتسم بـ«التشبث بالمواقف والوضوح والصراحة»، حسب وصف مندوب الهند للأجواء.
وخلال النقاش، طرحت مندوبة البرازيل، ماريا لويس فيوتي، عناصر شفهية تم الاتفاق بعدها على جلوسها مع المندوب البريطاني، مارك لايل غرانت، لنصف ساعة للتوافق على قواسم مشتركة. لكن الاجتماع أُرجئ إلى وقت متأخر مساء أمس من أجل إفساح مجال أوسع للتشاور بين مجموعتين: الأولى تريد الإدانة وإحالة سوريا على مجلس الأمن دورياً، والثانية تفضّل التهدئة. وطرح الفريق المعتدل (الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل) عناصر تقوم على الإعراب عن القلق الجدّي من العنف، وتطلب ممارسة ضبط النفس ومطالبة السوريين بنبذ العنف وبدء عملية الحوار السلمي بما يلبي تطلعات الشعب السوري، كما لخصها مندوب الهند الدائم، سينغ بوري.
وتنطلق الدول المعارضة للقرار البريطاني من خلفية أن أي موقف من المجلس ينبغي أن يترك «آثاراً مهدئة وليست مُفاقمة للوضع في سوريا»، على حدّ تعبير مندوب الهند الذي كان يردّ على سؤال بصفته الوطنية، وليس بصفته رئيساً لمجلس الأمن. وقال إن المجلس كان دائماً مستعداً لإصدار بيان صحافي أو رئاسي، لكن عضواً في المجلس، مشيرا إلى لبنان «وجد صعوبة بالغة في دعم أي بيان من هذا النوع وهي حساسية لبنانية مشهورة». وأضاف أن الدول التي تبحث عن إصدار مواقف الحد الأقصى قد لا تجد أن ذلك سيستغرق وقتاً طويلاً وحسب، «بل قد يكون الأمر متعذراً تماماً» على حد تعبيره.
المقاربة الدولية تصطدم ببعضها. ففي حين هناك دول تدعم مواقف المعارضة بأن مصدر العنف من القوى الأمنية وحدها ضد شعب أعزل، أمسكت دول أخرى كالبرازيل والهند وجنوب أفريقيا العصا من الوسط، وقال مندوب الهند في هذا الخصوص، «دعونا نواجه الحقائق، لم يعد الأمر منذ وقت بعيد مجرد بطش من أجهزة أمن ضد مدنيين أبرياء ضعفاء. هنالك عنف مورس ضد قوى الأمن والبنى التحتية العامة تجسّد بحقيقة وجود 350 أو أكثر من رجال الأمن السوري لقوا مصرعهم ودمرت مراكز حكومية».
وبذلك لا يتوقع المراقبون في نيويورك أن يخرج مجلس الأمن الدولي بموقف في وقت قريب. البيان يحتاج إلى إجماع 15 صوتاً، والقرار قد يصطدم بالفيتو الروسي وربما الصيني أيضاً.