خفضت وكالة «ستاندرد اند بورز» للتصنيف الائتماني، يوم الجمعة الماضي، علامة الدين العام للولايات المتحدة، حارمة إياها من الدرجة الأعلى للمرة الأولى في تاريخها، مبررة ذلك بـ«مخاطر سياسية»، مع اتخاذ البلاد إجراءات غير كافية لمواجهة العجز في ميزانيتها. وفي نظرها، فإن النقاش السياسي في هذه المسائل ليس بمستوى المشكلات التي سبّبها الدين العام الذي تجاوز 14500 مليار دولار. وأعلنت «ستاندرد اند بورز»، في بيان، أنها خفضت درجة واحدة علامة الدين العام الأميركي من «ايه ايه ايه»، الدرجة الأعلى على الاطلاق، إلى «ايه ايه+»، مرفقة ذلك بتوقعات «سلبية»، ما يعني أنها تعتقد أن التغيير المقبل الذي سيطرأ على هذا التصنيف سيكون إلى الأسوأ، وسيجري خفض علامة الدين العام الأميركي مجدداً. وأوضحت الوكالة، في بيانها، أن «خطة إعادة التوازن إلى الموازنة، والتي اتفق عليها أخيراً الكونغرس مع السلطة التنفيذية ليست كافية قياساً بما هو ضروري، من وجهة نظرنا، لاستقرار حركة الدين العام على المدى المتوسط».
وفي هذا الإطار، أكد رئيس لجنة التقويم في «ستاندارد اند بورز»، جون تشامبرز، أن واشنطن كان بإمكانها تفادي خفض العلامة لو رفعت سقف الدين في وقت أبكر. وقال إن «أول شيء كان يمكن القيام به هو رفع سقف الدين في الوقت المناسب لتجنّب بدء الجدل»، مضيفاً أن سقف الدين رفع في الماضي من ستين إلى سبعين مرة «من دون أن يثير أي جدل».
من جانبها اتهمت الحكومة الاميركية، فور إعلان القرار، الوكالة بأنها استندت في قرارها إلى أخطاء خطيرة في الحسابات. وقال متحدث باسم وزارة الخزانة إن «تصنيفاً مشوباً بخطأ قدره ألفي مليار دولار (في توقعات العجز في الميزانية حتى عام 2021) يتحدث عن نفسه بنفسه». وقال مساعد وزير الخزانة المكلف السياسة الاقتصادية، جون بيلوز، «إن ستاندارد اند بورز أقرّت بهذا الخطأ» لكنها «لم ترَ أن خطأً بهذا الحجم كاف لتبرير إعادة النظر في حكمها، أو حتى إعطاء نفسها يوماً إضافياً لإعادة تقويم التحليل بدقة».
في غضون ذلك، دعا البيت الأبيض، أول من أمس، الحزبين الجمهوري والديموقراطي إلى الوحدة من أجل إنعاش وضع الاقتصاد والموازنة. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض، جاي كارني، في بيان، «علينا بذل مزيد من الجهد لإثبات إرادتنا والتزامنا بالعمل معاً لمواجهة التحديات أمام الاقتصاد والموازنة». وأضاف «في الاسابيع المقبلة سيشجع الرئيس بقوة اللجنة الخاصة من الحزبين وجميع أعضاء الكونغرس على إبداء التزامنا المشترك من أجل انتعاش قوي ومستقبل صحي للموازنة، متجاوزين الخلافات الايديولوجية والسياسية».
في هذا السياق، تبنّى دائنو الولايات المتحدة، أول من أمس، مواقف معتدلة من هذا القرار، باستثناء الصين التي تعدّ أكبر دائن في العالم على الاطلاق للولايات المتحدة، مؤكدة ان كل ما فعلته وكالة التصنيف هو تأكيد «حقيقة فظيعة». وأضافت بكين أنها «باتت تملك كل الحق في مطالبة الولايات المتحدة بالتصدي لمشكلة دينها البنيوية»، كما أوردت وكالة أنباء الصين الجديدة. وأضافت الوكالة أن «الأيام التي كان بإمكان «العم سام» المثقل بالديون أن يبدد فيها كميات غير محدودة من القروض من الخارج تبدو معدودة». وحذرت الصين من أنه إذا لم تجر واشنطن اقتطاعات كبيرة في «نفقاتها العسكرية الضخمة» وكذلك في «الكلفة الهائلة للمساعدة الاجتماعية»، فإن خفض علامة ستاندارد اند بورز لن تكون سوى «مقدمة لخفوضات أخرى مدمرة للعلامة» الاميركية. أما اليابان، ثانية الدول الدائنة للولايات المتحدة، فقد أبدت ثقتها بسندات الخزينة الأميركية، وأكدت أنها لن تبدل استراتيجيتها القاضية بشراء هذه السندات رغم خفض علامة الدين الأميركي.
في المقابل، صرّح وزير المال الفرنسي فرنسوا بروان بأن «فرنسا لديها ثقة تامة بمتانة الاقتصاد الأميركي وأسسه»، إلا أنه أضاف أن «وزراء مال مجموعة السبع على اتصال دائم لمراقبة وضع الاسواق ومناقشة التحركات الضرورية». ورأى وزير التجارة البريطاني فينس كايبل أن خفض التصنيف «نتيجة متوقعة تماماً للفوضى التي أثارها الكونغرس».
في موازاة ذلك، رأى عدد من الخبراء أن قرار وكالة «ستاندرد اند بورز» خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة كان قراراً قاسياً ولكنه عقوبة منطقية لواشنطن بسبب عجزها عن التحكم في ديونها المتزايدة على نحو كبير.
إلى ذلك، عقد مسؤولون رفيعو المستوى من مجموعة العشرين للاقتصاديات الكبرى اجتماعاً طارئاً عبر الهاتف، أمس، لبحث ما يجري. ويستعد حكام البنك المركزي الأوروبي لإجراء محادثات إثر مخاوف من انهيار الاقتصاد العالمي الذي توقع بعض المحللين أن يكون أسوأ من انهيار عام 2008. وقال مسؤول أميركي خلال المؤتمر الهاتفي لمجموعة العشرين إن «مؤسستي التصنيف الأخريين (موديز وفيتش) قالتا إنهما لا تعتزمان خفض تصنيف الولايات المتحدة»، وذلك في محاولة لتهدئة الأسواق العالمية.
(أ ف ب، الأخبار، رويترز)