لندن | في اليوم الخامس لاندلاع الاضطرابات في بريطانيا، أطلّ شبح الفاشية مغمَّساً بدماء ثلاثة من الشبان الآسيويين في مدينة برمنغهام الواقعة على بعد 195 كيلومتراً شمالي لندن. كان الضحايا في طريقهم لحماية محالهم التجارية في وسط المدينة بعد منتصف الليل عندما دهسهم سائق عمداً ولاذ بالفرار بعدها. المدينة التي تعدّ من أكبر المدن البريطانية، تعجّ بجالية كبيرة متحدرة من شبه القارة الهندية التي مرت بصدامات عرقية في السابق مع البيض.
خرج الشبان الثلاثة من مسجد عند الواحدة والربع فجراً بعد أداء صلاة التراويح، وتوجهوا نحو متاجرهم لتفقدها عندما بوغتوا بالهجوم. اعتداء يهدّد بايقاظ مشاعر عداء بين المسلمين وغير المسلمين في المدينة، لذا منعت الشرطة تجمعات إسلامية أمام المستشفى الذي نقل إليه أحد الضحايا وقد مات متأثراً بجراحه. فُتح تحقيق في الحادث، واعتقل متهم، فيما لم توضح الشرطة ما إذا كان متورطاً بالجريمة أو لا، لكنها أكدت أنها عثرت على السيارة التي استُخدمت في الاعتداء.
وأظهر والد الضحية، هارون جهان، حرصاً شديداً على عدم تحويل الجريمة إلى حالة ثأرية. وقال، في رسالة للإعلام، «لا أدري لماذا قتلوه»، متابعاً: «لا أوجه اللوم إلى الحكومة ولا ألوم أحداً، إنني مسلم وأؤمن بالقدر، وهذا قدر ولدي الذي أحبه كثيراً، وحزني شديد لوفاته». غير أن ذوي الضحيتين الأخريين أعربوا عن شديد غضبهم، منتظرين من رجال الأمن أداء واجبهم ومعاقبة الفاعل.
برمنغهام، شأنها شأن العديد من المدن الصناعية الكبرى، التي تقلّصت قدراتها على المنافسة التجارية في العالم المفتوح، بقيت تشهد أعمال نهب وحرق بالرغم من الحضور المعزز لرجال الشرطة. لذا تواصلت اجتماعات اللجان الأمنية وعلى رأسها لجنة الطوارئ (كوبرا) التي شُكّلت من أجل التصدي لأعمال الإرهاب بعد 11 أيلول 2001. وعند خروجه من الاجتماع الذي رأسه دافيد كاميرون، نبّه عمدة لندن بوريس جونسون إلى ضرورة عدم تقليص عدد رجال الأمن ضمن خطة التقشف الحكومية. وقال بهذا الخصوص «من الواضح أن التركيز اليوم كان خارج لندن وحول أرجاء البلاد. تركز النقاش حول الوضع في الغرب والمناطق الوسطى مثل برمنغهام ومانشستر»، معرباً عن ارتياحه للإجراءات العاجلة التي اتُّخذت في لندن.
العاصمة التي كانت مرتعاً للعابثين بالأمن على مدى ثلاثة أيام متتالية، نعمت بليلة هادئة بعد استدعاء عناصر الأمن وإلغاء إجازاتهم ومأذونياتهم. انتشرت الشرطة التي تضاعف عدد أفرادها خمس مرات في كل الأحياء، بينما آثر التجار إقفال معظم محالهم التجارية خشية المفاجآت المنظمة من قبل عصابات غير منظمة إلا بواسطة التواصل الإلكتروني. أنفقت لندن مليارات الدولارات في إقامة بنى تحتية تلبي احتياجات زوار الألعاب الأولمبية التي ستقام فيها العام المقبل، وهي ما قد تذهب أدراج الرياح إذا لم يكن الوضع الأمني مستتباً حتى ذلك التاريخ.
بدوره، توعد كاميرون بأن يزج بمئات الموقوفين الذين تثبت إدانتهم بأعمال الشغب في السجن، وبألا يتوانى عن بذل كل ما يلزم من أجل وضع حد للفوضى التي عمّت البلاد. وطمأن إلى «أننا لن نسمح بانتشار ثقافة الخوف في شوارعنا، وهناك أمور بالغة السوء في مجتمعنا»، مشيراً إلى تلك المجموعات التي كانت تسرق وتحرق مُظهرةً سعادة بما تفعل. ولفت كاميرون إلى مجموعة من السارقين الذين كان ينتشلون حقيبة شاب تظاهروا بمساعدته، وبثّت صورهم على شاشات التلفزة. وأكد رئيس الحكومة المحافظ أن كل التشريعات الضرورية ستوضع في تصرف رجال الأمن بما في ذلك السماح باستخدام هراوات خاصة وخراطيم المياه، كاشفاً أنه سمح للشرطة باستخدام الرصاص المطاطي لضبط الأوضاع.
وفي مدينة مانشستر، وقعت أعمال شغب ونهب من قبل مجموعات مقنَّعة خاضت حرب كرّ وفرّ مع رجال الأمن. لكن مجموعات أخرى خرجت، بناءً على دعوة على مواقع التواصل الاجتماعي، حاملة المكانس لتنظف الشوارع وتحاول إعادة الأمور إلى الحد الأدنى من طبيعتها. ونقلت الأشرطة المصورة مشاهد تُظهر عصابات تحطّم واجهات المحال وتحرقها. في المقابل، لم يسلم من الاعتداءات رجال الإعلام حتى، إذ هاجم شبان مصوِّر إحدى القنوات التلفزيونية. ووصلت أعمال الشغب إلى مدينة سالفورد المتاخمة لمانشستر التي بدا واضحاً إصرار الفوضويّين على السيطرة على وسطها، في ظل عجز الشرطة عن ضبط الوضع بالصورة التي حصلت في لندن، رغم توقيف المئات منهم.
إلى ذلك، بقيت القطاعات الإنتاجية في بعض المناطق شبه معطَّلة، وكذلك عدد من شبكات الاتصالات كما لو أن بريطانيا تعيش حالة حرب حقيقية. وفي ظل هذه الأجواء، ظلت بعض المحال مقفلة.
لكن المحاكم بقيت مشرعة الأبواب لمعالجة الأعداد الهائلة من القضايا التي يتعين عليها بتّها سريعاً. وعكف رجال شرطة «سكوتلنديارد» على دراسة أشرطة الفيديو الكثيرة التي يحتاجون للتعرف من خلالها على وجوه كبار المجرمين وملاحقتهم، يساعدهم في ذلك أن الكثير من المستهدفين يمتلكون سجلات ويمكن التعرف آلياً على هوياتهم وتحديد عناوينهم، مع تشديد الشرطة على أن الملاحقة لن توفر حتى صغار السارقين.
وبدأت مفاعيل أزمة الشغب تلقي بظلالها على عموم الوضع الاقتصادي في البلاد، بدليل أن المصرف المركزي البريطاني أعلن أن إنكلترا مقبلة على مخاطر صعود التضخم إلى خمسة في المئة هذا العام، بينما النمو الاقتصادي سينخفض إلى مستوى خطير يصل إلى 1.4 في المئة، عازياً الأسباب إلى الوضع العالمي المعدي، فضلاً عن العوامل الداخلية المستجدّة.



القذافي ونجاد يسخران

رأت حكومة الزعيم الليبي معمر القذافي أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون «فقد شرعيته»، مشيرة إلى ضرورة تركه السلطة بسبب أحداث الشغب التي شهدتها بريطانيا، بينما دعا الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد (الصورة) لندن إلى وقف تعاطيها «الوحشي» مع مثيري الشغب. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الليبية، خالد كعيم، إن «المجتمع الدولي يجب ألا يقف مكتوف الأيدي أمام هذا العدوان الجسيم على حقوق الشعب البريطاني الذي يطالب بحقه في حكم بلاده». وفي إيران، دان نجاد «السلوك الوحشي للشرطة البريطانية» في مواجهة أعمال الشغب التي تهز بريطانيا، طالباً من مجلس الأمن الدولي التدخل في المملكة. كما أوضح النائب في البرلمان، حسين إبراهيمي، أن بريطانيا يجب أن تسمح لوفد من مراقبي حقوق الإنسان بالتحقيق في أوضاع مدنها المضطربة.
(رويترز)