طهران | بكثير من الهدوء وبعيداً عن ضوضاء الإعلام، يدرس مجلس الشورى الإيراني بنود الاتفاق النووي، بعدما تسلّم نسخة مترجمة من وزارة الخارجية، بالتزامن مع دراسته في المجلس الأعلى للأمن القومي، المعني الأول بمطابقة بنوده مع «الخطوط الحمراء» التي رُسمت قبل انطلاق المفاوضات مع مجموعة «5+1».
تفسيرات متعدّدة للدستور، منها ما يسمح للبرلمان الإيراني بالتصويت على قبول الاتفاق من عدمه، فيما تعطي أخرى للمجلس صلاحية إبداء الرأي والاطلاع عليه فقط من دون التصويت. بين القراءات القانونية، هناك تلك التي ترى أن الاتفاق النووي يدخل في خانة المعاهدات والاتفاقيات بين إيران وطرف أو أطراف أجنبية، وهو ما يلزم، بحسب الدستور الإيراني، التصويت عليه وإقراره من قبل البرلمان وتسليمه للحكومة لتنفيذه. بينما تفيد قراءات أخرى بأن الاتفاق من صلاحيات المجلس الأعلى للأمن القومي الذي يشرف على رسم السياسات العامة للبلاد. مع ذلك، ينظر عدد من القانونيين إلى الاتفاق النووي على أنه تفاهم سياسي لا يستوجب إقراره في البرلمان، ويحق للحكومة تنفيذه من دون العودة إلى مجلس الشورى، بعد موافقة المجلس الأعلى للأمن القومي عليه.

سيقرّر مجلس صيانة
الدستور ما إذا كان الاتفاق تفاهماً سياسياً أم معاهدة ملزمة

دراسة الاتفاق النووي لن تغيّر من بنوده، فلا يحق لأي دولة مشاركة فيه أن تعدل أو تضيف أو تحذف أياً من البنود التي سيجري التعامل معها كسلة واحدة يكون الخيار بالتصويت عليها بنعم أو لا.
في هذا الإطار، سيراجع مجلس الشورى بنود الاتفاق، على أساس «الخطوط الحمراء» المعلنة مسبقاً، بعدما كان قد أقرّ قانوناً ينص على ضرورة الحفاظ على المكتسبات النووية، وسيكون له رأي تقييمي للاتفاق إن كان جيداً أم لا. هنا، تبرز فرضية ضعيفة جداً بأن يجري رفض الإعلان النووي، وهو ما قد يفتح صفحة جديدة من التكهّنات والتساؤلات: هل سيعود المفاوضون إلى طاولة المباحثات، في حال فشل التوصل إلى توقيع لهذا الاتفاق تحت أي ذريعة كانت؟ هل ستقبل الدول المشاركة في الانخراط في مباحثات جديدة لتعديل بعض البنود التي تتحفظ عليها إيران؟ هل سيطرح موضوع التدخل العسكري من جديد وتقف المنطقة على حافة الحرب؟
أسئلة يحاول كثيرون عدم الوصول إليها في الواقع، وذلك من خلال تمريرٍ سلسٍ للاتفاق مع حفظ حق التحفظ على بعض الأمور. رفض الاتفاق يعدّ فرضية ضعيفة جداً ولكنها واردة، إلا أن المؤشرات العامة تدلّ على توجه لإقرار الإعلان النووي إيرانياً، حيث لن يكون هناك وجود لفيتويات من قبل أي سلطة قد تعرقل سير الاتفاق، باستثناء بعض المسائل التي قد تبرز مستقبلاً في خطوات التنفيذ. وهذه المرحلة هي الأكثر حساسية، لكونها تمثل صاعق التفجير الذي قد يعيد الأمور إلى الوراء، في حال عدم التزام أي طرف بتنفيذ ما تعهد به، علماً بأن لا أحد يريد إفشال الاتفاق ضمن مجموعة «5+1»، وحتى في الداخل الإيراني.
ستكون كلمة الفصل في كل ذلك لمجلس صيانة الدستور، المعني بالإشراف على تطبيق القوانين ومطابقتها مع روح الدستور الإيراني، وهو سيقرّر ما إذا كان الاتفاق النووي تفاهماً سياسياً أم معاهدة ملزمة. على ضوء رأيه سيبت أمر التصويت على الإعلان النووي في مجلس الشورى، فالاعتراضات على بعض البنود نابعة من مخاوف تتعلق بإمكانية تهرّب الطرف الآخر، وخصوصاً الأميركي، من تطبيق تعهداته عبر تفسير فحوى الاتفاق على قياس مصالحه لا على المبدأ الحرفي للنص. وهذا الأمر بدا واضحاً في ما يخص مفاعل «آراك» للمياه الثقيلة وأيضاً الموضوع الصاروخي. وفي هذا الخصوص، قدّم وزير الخارجية محمد جواد ظريف وأعضاء الوفد إيضاحات في مجلس الشورى وخلال ندوات عُقدت في عدد من مراكز الدراسات في إيران، حيث شرح ظريف الرؤية الإيرانية للبنود، ورد على بعض الاستفسارات من قبل النواب في ما يتعلق بقدرة إيران على العودة السريعة إلى نشاطها النووي ما قبل الاتفاق، في حال عدم التزام الطرف الآخر بتعهداته، فقال: «هم لديهم طريق طويل ليعودوا إلى العقوبات، ولكن نحن عبر عدد من (البراغي) نستعيد نشاطنا النووي».
لا تبحث دوائر القرار الإيراني عن نقاط ضعف لإفشال الاتفاق، بل تعمل على تشخيص نقاط الضعف بهدف عدم استغلالها والدخول عبرها إلى مواضيع أخرى، وخصوصاً أن مراحل التنفيذ تسلتزم حذراً شديداً من أجل عدم الوقوع في فخ بعض الثغر. هذا الأمر سيسهم في تقديم حلول بديلة اذا جرت أي عملية عرقلة خارجة عن السيطرة، كإثارة موضوع منشأة بارتشين العسكرية (قرب طهران)، من قبل الكونغرس الأميركي، في محاولة لتحريك الرأي العام العالمي والدفع إلى إرسال مفتشين لدخوله تحت ضغط دولي، خلافاً للاتفاق الذي يمنع دخول مفتشين إلى المنشأة العسكرية الإيرانية.
المعلومات تشير إلى أن القرار الإيراني لن يكون قبل معرفة قرار الكونغرس الأميركي. ضبابية إيرانية متعمّدة للبقاء خطوة إلى الأمام تمنح طهران قدرة للمناورة في حال حدوث أي طارئ، ولا سيما أن رفض الكونغرس لن يوقف الاتفاق، بل سيضعفه فقط، لأن الدول الخمس الباقية في السداسية الدولية موافقة على المشروع وستكون إلى صف إيران، ما قد يؤدي إلى انقلاب في معادلة «5+1»، لتصبح «الدول الخمس زائدا إيران في وجه الولايات المتحدة الأميركية».