قبيل بدء اجتماع «أصدقاء ليبيا» في نيويورك أمس، عاد الزعيم الليبي المخلوع معمر القذافي إلى واجهة الأحداث، واصفاً ما يجري في بلاده بأنه «مهزلة»، فيما أكد رئيس المجلس الوطني الانتقالي الذي يتولى السلطة في ليبيا اليوم، مصطفى عبد الجليل، من مبنى الأمم المتحدة، أن القذافي لا يزال يمثّل تهديداً داخلياً وعالمياً. القذافي الذي واظب على إرسال خطابات صوتية منذ سقوط مقرّه في طرابلس الشهر الماضي، رأى في شريط بثّته قناة الرأي من سوريا أن «ما يحصل في ليبيا مهزلة شرعيتها معلقة بقنابل الجو التي لن تدوم». وأضاف «لا تفرحوا ولا تصدّقوا بأن هناك نظاماً أطيح أو أن هناك نظاماً فُرض على الشعب الليبي بالقصف الجوي والبري».
وفي نيويورك، حيث التقى ثمانون رئيس دولة وشخصية رفيعة المستوى في اجتماع «أصدقاء ليبيا» الذي عقد في إحدى قاعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أكد رئيس المجلس الانتقالي الليبي أن القذافي لا يزال يحتفظ بموارد تمثّل تهديداً لليبيا والعالم. ونبّه إلى أن التحديات كبيرة، خصوصاً على الساحة العسكرية، حيث قتل 25 ألف شخص وأصيب 50 ألفاً بجراح.
ونفى عبد الجليل الذي عقد اجتماعاً مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، قبل لقاء «أصدقاء ليبيا»، حصول أعمال ثأرية واسعة في المدن المحررة، باستثناء حالات فردية قليلة. ووعد بأن تكون ليبيا دولة حيوية تحترم السلام والأمن وحقوق الإنسان، ويحتل المسؤولون مقاعدهم من خلال صناديق الاقتراع. وأثنى على الدول التي ساندت القرارات الدولية الخاصة بليبيا، ولا سيما «جهود لبنان».
وحضر عبد الجليل إلى جانب وزير خارجيته الانتقالي محمود جبريل، فيما حضر أوباما إلى جانب وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون ورئيس حلف شمالي الأطلسي أندرياس فوغ راسموسين، فضلاً عن قادة ووزراء خارجية من مختلف الدول العربية والأجنبية. ورفع في الاجتماع علم المجلس الانتقالي إلى جانب علم الأمم المتحدة.
من جهته، افتتح الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، الاجتماع بالتأكيد أن المنظمة ستساعد المجلس الانتقالي من أجل «حماية المدنيين». وطالب بتنسيق جهود بعثة دعم ليبيا الجديدة التي يرأسها مبعوثه الخاص، البريطاني إيان مارن، مع مختلف الأطراف. وحثّ الذين لم يلقوا السلاح من أنصار العقيد القذافي على أن يفعلوا ذلك ويحقنوا الدماء.
أما الرئيس الأميركي فقد رأى أن ليبيا «درس لما يمكن أن يفعل العالم»، نافياً ضرورة السير بالطريق نفسه في كل نزاع. ولم ينف أوباما أن الكثير من الأيام الصعبة لا تزال تواجه الليبيين، عارضاً المزيد من الدعم. وأعلن أن السفير الأميركي توجه أمس إلى طرابلس، مشدداً على أهمية ضبط الأسلحة الخطرة في ليبيا، التقليدية وغير التقليدية منها. ووعد بأن تؤدي الولايات المتحدة دوراً رئيسياً في إعادة البناء وتنسيقه ومساعدة الليبيين، وصولاً إلى إجراء انتخابات نزيهة. كذلك ناشد الليبيين الامتناع عن التطرف الديني الذي «يهدد بالدمار والخراب».
وفي ردّ غير مباشر على خطاب القذافي، أعلن الرئيس الأميركي أن مهمة الأطلسي في ليبيا ستتواصل «ما بقي الليبيون مهدّدين». وقال «إن الليبيين يكتبون اليوم فصلاً جديداً من حياة أمتهم. وبعد أربعة عقود من الظلمات، بات بإمكانهم أن يجولوا في الطرقات بعد أن تحرروا من الطاغية».
بدوره، تحدث الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن الأزمات الكثيرة التي بدأت مع هذا القرن، من الفقر إلى الأزمات المالية والحروب. ورأى أن الثورات العربية كانت الشيء الوحيد الإيجابي منذ بداية القرن. ثورات «لم تناد بسقوط الغرب وإسرائيل، بل بسقوط الدكتاتوريات وبالحريات». ورأى أن ما جرى في ليبيا «ينفي حتمية الصراع بين الشرق والغرب»، مشيداً بجهود قطر والإمارات والأردن في بناء هذه الجسور. ونفى ساركوزي أيضاً أن يكون ما يجري في الربيع العربي مقدمة لحقبة استعمارية جديدة، وأكد أن القوى الغربية المساعدة ستعمل في ليبيا تحت تعليمات الليبيين، وسيرحلون متى يطلب الليبيون رحيلهم.
وتحدث في الاجتماع عدد من القادة والزعماء، بينهم رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان، وأمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني، مؤكدين دعم الشعب الليبي وحكومته الجديدة.
إلى ذلك، سيكون ملف ليبيا على جدول أعمال المحادثات التي سيجريها أوباما في نيويورك اليوم مع ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون.
من جهة ثانية، بعد رفض متواصل لهذه الخطوة، اعترف الاتحاد الأفريقي أخيراً بالمجلس الانتقالي بصفته الممثل الشرعي للشعب الليبي، حسبما أعلن رئيس غينيا الاستوائية تيودورو اوبيانغ نغيوما الذي يتولى رئاسة الاتحاد الأفريقي في بيان أمس.