«هذا خبر مركّب مئة في المئة. عناصر فيلق القدس بارعون جداً. هم لن يجلسوا مع أشخاص لا يعرفونهم ويخططون لمؤامرة. عادة يستخدمون وكلاء ويتقنون ذلك الى حدّ كبير. هم مهنيّون جداً في تنفيذ المهمات. وإن كان قاسم سليماني يبحث عنّي أو عنك، لكنّا في عداد الأموات الآن»، هذا ليس كلاماً دفاعياً إيرانياً ضد الاتهام الأميركي الأخير، بل هو كلام روبرت باير، أحد العملاء الميدانيين السابقين في وكالة الاستخبارات الأميركية. باير الذي عمل فترةً طويلةً خلال مسيرته الاستخبارية على فيلق القدس تحديداً، شكّك في أكثر من مداخلة إعلامية أمس بالرواية الأميركية التي قدّمت عن تفاصيل «المؤامرة الإيرانية لاغتيال السفير السعودي في واشنطن». باير يؤكد أن «هذا ليس أسلوب فيلق القدس» في العمل. ويردف «أما إذا كنا نتحدّث عن مجموعة من المجانين... فكلّ شيء يصبح ممكناً». عميل الـ«سي آي إيه» السابق، تحدّث إلى قناتي «سي إن إن» الأميركية و«إي بي سي» الأوسترالية وصحيفة «غارديان» البريطانية، شارحاً أن «عناصر فيلق القدس لا يدخلون مباشرة في أي عملية، ولا يورّطون أياً من مواطنيهم. وهم يختارون وكلاء آخرين لتنفيذ خططهم بعد إخضاعهم لفحص دقيق. لا يمكن إيرانَ أن تسمح بأن يقبض عليها بالجرم المشهود أبداً».
أسئلة كثيرة طرحها العميل الاستخباري السابق علناً في هذا الإطار، ومنها: «لماذا قد يصبح فيلق القدس فجأة بهذه الليونة والسهولة؟ لماذا قد يخاطرون بذلك الآن؟ من يهتمّ لأمر السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير بكل الأحوال، فهو ليس من العائلة المالكة وقد لا يكون الوسيط الرئيسي بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة؟ لماذا لم يستهدفوا الأمير بندر بن سلطان في لندن مثلاً؟»، ويضيف «أهداف عديدة أخرى كانت لتثير اهتمام الإيرانيين أكثر من الجبير حالياً».
باير حذّر من «أن التخمين الذي توصّل إليه الأميركيون هو مغلوط وخطير»، لذا نصح الإدارة الأميركية بالتراجع عن اتهامها لإيران و«فتح قنوات دبلوماسية فورية مع النظام الإيراني... وإلا نكون قد أسهمنا في إشعال حرب لا يمكن السيطرة عليها بعد الآن».
وعن بعض النظريات، التي قالت إن مدبري «المؤامرة»، هم «مجموعة داخل فيلق القدس وقد خططوا لها من دون علم المرشد الأعلى»، أو إنهم «ينتمون الى فريق ديني متطرف داخل الجيش الإيراني، ممن يريدون للحرس الثوري أن يصبح على رأس هرم السلطة فيتسلم تطوير النووي الإيراني ويباشر الى مواجهة إسرائيل مباشرة»... يقول باير إن الجميع «قفز فوراً الى استنتاجات وذرائع تقود في اتجاه واحد وهو المواجهة مع إيران. لكن الكلّ تجاهل أن هناك تفاصيل يجب أن توضّح أولاً، وأن هناك أسئلة مهمة يجب على السلطات العليا الأميركية أن تجيب عنها فوراً».
وفي إطار التشكيك ذاته، علّق بعض الصحافيين أمس على كلام مدير مكتب التحقيقات الفدرالية روبرت مولر عن أن «المؤامرة بدت كنص سيناريو هوليوودي، لكن تأثيره كان ليؤدي الى خسارة أرواح كثيرة»، مشيرين الى أن ما قدمته السلطات الأميركية من تفاصيل عن القضية هو «هوليوودي بالفعل»! مراسل «سكاي نيوز» سخر من «حظّ» المتهم بالقضية منصور أربابسيار، وسأل «هل يُعقل أنه من بين كل تجار المخدرات في المكسيك، لم يختر أربابسيار سوى أحد مخبري الوكالة الأميركية ليتعامل معه؟».