بعد أسابيع حفلت بها وسائل الإعلام الإسرائيلية بتقارير متعاقبة، حذرت فيها من وجود توجه لدى كل من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع إيهود باراك، لمهاجمة المشروع النووي الإيراني، انتقل النقاش أمس إلى المستوى الرسمي عبر جملة من المواقف التي أطلقها سياسيون إسرائيليون بهذا الشأن، في وقتٍ نقلت فيه صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مصادر أميركية قلق واشنطن من احتمال أن تقدم تل أبيب على شنّ هجوم على طهران. أبرز المواقف كانت لباراك الذي تطرق إلى ما نُشر من زاوية نفي إمكان تفرّده ورئيس الوزراء بقرار الهجوم قائلاً بتهكّم «لا تحتاج إلى أن تكون عبقرياً لتفهم أنه في عام 2011 في إسرائيل لا يستطيع شخصان أن يقررا التصرف بمفردهما». وفي إشارة صريحة إلى وجود الملف النووي الإيراني على طاولة البحث الإسرائيلي، قال باراك «في وزارة الدفاع ومكتب رئيس الوزراء يوجد آلاف الأوراق عن المحادثات التي أجريت (عن إيران) بحضور عشرات المسؤولين والوزراء»، معيداً تأكيد الموقف الإسرائيلي المعلن في هذا الخصوص، موضحاً أن «تقدم إيران في الحصول على سلاح نووي هو التهديد الرئيس للأمن في المنطقة ولإسرائيل على وجه الخصوص». وإذ شدد على أهمية الضغوط والعقوبات الدولية، أكد وجوب العمل «بكافة الوسائل الضرورية والإبقاء على جميع الخيارات... وكما قلت أكثر من عشرين مرة: إسرائيل لا يمكن أن تتعايش مع إيران نووية». وحضر الموضوع الإيراني بنحو مقتضب في الكلمة التي ألقاها نتنياهو أمام الكنيست لمناسبة افتتاح دورته الشتوية، حيث حذر من وجود «قوى إقليمية تحاول زيادة تأثيرها على الأنظمة الجديدة»، موضحاً أن «إحدى هذه القوى هي إيران التي تواصل جهودها للتزود بسلاح نووي». وأضاف يقرأ من نص مكتوب «إن إيران نووية تمثّل تهديداً ثقيلاً على الشرق الأوسط وعلى العالم أجمع، وبالطبع هي تمثّل تهديداً مباشراً وثقيلاً علينا».
وفي موقف لافت تبنّت فيه ضمناً ما نُشر بخصوص رفض قادة المؤسسة الأمنية لقرار الهجوم على إيران، دعت رئيسة المعارضة، تسيبي ليفني، رئيس الوزراء إلى الإنصات إلى هؤلاء القادة «في كل المواضيع، وفي الموضوع الإيراني كذلك».
بدورها، تطرقت رئيسة حزب العمل، شيلي يحيموفيتش، إلى قرار الهجوم المحتمل على إيران، واصفة إياه بالمغامرة. وقالت يحيموفيتش «أريد أن أعرب عن قلقي العميق من إسهاب رئيس الوزراء في خطابه عن إيران النووية. لقد بدت أقواله جميعاً كإعداد محسوب لمغامرة متهورة وتنطوي على جنون العظمة». أضافت «لن أدخل في التفاصيل، رغم أن النقاش في الموضوع خرج جميعه إلى العلن، لكننا نلفت نظر رئيس الحكومة ووزير الدفاع مسبقاً: احذروا، لن نؤيّدكم في هذه المغامرة. وإذا كنتم تشعرون بثقة زائدة في النفس وتريدون أن تغيّروا وجه الشرق الأوسط، فوجّهوا طاقتكم نحو إحداث اختراق سياسي».
وفي السياق نفسه، بثّت القناة الثانية في نشرة الأخبار المسائية شريطاً مصوّراً لرئيس حزب «شاس»، إيلي يشاي، يلقي كلمة أمام محفل مغلق من المناصرين تطرق فيها تلميحاً إلى الهجوم على إيران. وظهر يشاي، العضو في الثمانية الوزارية التي تعدّ مطبخ القرارات الأمنية والسياسية الحساسة، يقول «إن هجوماً كهذا معقد ومركب، ومن الأفضل ألا نتحدث عن مدى تعقيده وتركيبه. هذه العملية تؤرقني». وتحدث عن الترسانة الصاروخية الموجودة لدى حزب الله وحماس وسوريا، قائلاً «تصوّروا أن نتعرض للهجوم من الشمال والجنوب والوسط، لديهم صواريخ قصيرة وبعيدة المدى، تقديرنا أن عددها نحو مئة ألف صاروخ».
وتكتسي تصريحات يشاي أهمية خاصة في ضوء ما نشر أول من أمس عن لقاءات أجراها كلّ من باراك ونتنياهو مع الزعيم الروحي لحركة شاس، الحاخام عوفاديا يوسف، خلال الشهر الماضي، قيل إن الملف النووي الإيراني كان أبرز ما طُرح فيها من موضوعات.
في غضون ذلك، بقي الملف الإيراني حاضراً بقوة على صفحات الصحف الإسرائيلية أمس، حيث واصل عدد من كتّاب الرأي مناقشة فكرة الهجوم من زاوية الاعتراض عليه لما ينطوي عليه من مخاطر. وفي هذا الإطار، برز تقرير لمراسل الشؤون العسكرية في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أليكس فيشمان، نقل فيه عن مصدر كبير في وزارة الخارجية الأميركية قوله إن الولايات المتحدة تتخوف من أن تقدم إسرائيل على مهاجمة إيران، ولذلك هي تعمل على تعزيز العقوبات على إيران كوسيلة لإقناع تل أبيب بالتنازل عن هذه الفكرة.
وأوضح فيشمان أن القلق الأميركي يتعاظم في ضوء حقيقة أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ستنشر في تشرين الثاني تقريراً تفصّل فيه مدى «التقدم الكبير» الذي أحرزته إيران في مجال العناصر العسكرية لمشروعها النووي. وتخشى واشنطن من أن «يشجّع نشر التقرير خطوات إسرائيلية ضد إيران لن تكون بالضرورة منسّقة مع المصالح الأميركية في المنطقة». وبحسب المصدر الأميركي، فإن «تقويم الوضع الجديد في الولايات المتحدة بالنسبة إلى هجوم إسرائيلي محتمل على إيران يستند من بين جملة أمور إلى متابعة المناورات التي أجرتها إسرائيل على مدى السنوات الأخيرة. والآن دخلت الإدارة الأميركية في حالة نشاط متسارع، شبه مجنون، من أجل هدف واضح واحد: ممارسة ضغوط مكثفة على إيران كي تتراجع إسرائيل عن مشروع الهجوم».
وفي إطار هذا النشاط المستجد، يمارس الأميركيون ضغطاً شديداً على كل من روسيا والصين اللتين تعارضان النشر العلني لتقرير الوكالة الدولية، ذلك أن «خلاصاته عن تقدم المشروع النووي الإيراني من شأنها أن تحرجهما في مواصلتهما الاعتراض على فرض المزيد من الإجراءات الأكثر تشدداً ضد طهران».
ولا يستبعد المصدر الأميركي أن يشجع نشر التقرير، مقروناً بـ«الكشف عن تقويم الوضع الأخير بشأن احتمالات مهاجمة إسرائيل لإيران»، كلاً من روسيا والصين على الانضمام إلى مبادرة الولايات المتحدة ودول أوروبية في مجلس الأمن باتجاه تشديد العقوبات الاقتصادية على إيران.
ووفقاً للمصدر نفسه، فإن القلق الأميركي من خطوة إسرائيلية ضد إيران كبير جداً في هذه المرحلة، بحيث إن الضغط الأميركي على مجلس الأمن يحصل على عدة مستويات متوازية. وتشير «يديعوت» إلى أن الإدارة الأميركية ترى أن هجوماً إسرائيلياً على إيران من شأنه أن يدخل المنطقة بأسرها في دوامة شديدة.