بدت القيادة الكورية الشمالية متماسكة بعد وفاة زعيمها، كيم يونغ إيل، عن عمر يناهز 69 عاماً، السبت الماضي، فيما استمر الجو الضبابي محيطاً بالسلطة الجديدة. فرغم كل ما ورد من معلومات وتحليلات حول آليات ممارسة الحكم، لا تزال معظمها في دائرة التكهنات. أهم ما تميزت به الدولة القائمة على العقيدة الزوتشية (تجمع ما بين الشيوعية وفكرة الاعتماد على الذات)، هو السريّة المحيطة بشخصيات الحكم، والتي حيّرت أجهزة الاستخبارات في الدول المتابعة لوضع شبه الجزيرة الكورية، مثل الولايات المتحدة واليابان وروسيا وكوريا الجنوبية، التي فوجئت بوفاة كيم رغم علمها بوضعه الصحي الحرج منذ إصابته بجلطة دماغية في عام 2008.
لقد نجح نظام كوريا الشمالية في التكتم طيلة يومين على نبأ وفاة زعيمه، كما نجح في التكتم على تفاصيل حياة «وليّ العهد» كيم يونغ أون.
انطلاقاً من هذه المعطيات، يمكن القول إن وصف كوريا الشمالية بالجمهورية الحديدية، هو الوصف اللائق والمناسب لدولة نجحت في إجراء تجربتين نوويتين (2006 و2008) وعدة تجارب صاروخية غير تقليدية، كانت آخرها يوم إعلان وفاة زعيمها، الاثنين الماضي، من دون معرفة مُسبقة لدى أي من أجهزة الاستخبارات الدولية الفاعلة في المنطقة.
في نظر المراقبين المختصين في شؤون كوريا، فإن أقمار التجسس هي الوسيلة الوحيدة لاختراق جدار التكتم الذي تقيمه بيونغ يانغ. فقد تعرضت استخبارات كوريا الجنوبية لانتقادات لأنها لم تعلم بزيارة كيم للصين في أيار الماضي ولا بوفاته يوم 19 كانون الجاري.
من الواضح أن السلطة التي استطاعت الصمود في الحرب مع كوريا الجنوبية (1950-1953) وواجهت الحصار الاقتصادي والضغوط الدولية على مدى عقود، قد حافظت على استقرارها، رغم تعرض شعبها لمجاعة قتلت عشرات الآلاف منه في التسعينيات، ورغم استفزازات الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية المتكررة من خلال مناورات أو عمليات عسكرية تمّت في البحر الأصفر أو بحر اليابان.
وبحسب التقسيم المنهجي لهيكلية السلطة في «جمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية»، فإن الحكم قائم على ثلاث سلطات، هي: الإدارة والجيش والحزب. لكن وكما يظهر من خلال قدرة تأثير كل منهما في المشهد السياسي، فإن الواقع يشي بوجود قاعدة أهم من الحزب هي العائلة، التي أولاها الزعيم الراحل، الأهمية الأكبر من خلال وضع شقيقته وصهره في مراكز حساسة، وفي ما بعد تأهيل ابنه الأصغر لتسلّم السلطة من بعده.
في ما يتعلق بالإدارة، يتفرع عنها مجلس النواب (هو المجلس الوطني الأعلى ويضم 687مقعداً، ويتم انتخاب أعضائه بالاقتراع الشعبي المباشر، ومدة خدمتهم خمس سنوات). ويرأس هذا المجلس اليوم تشوي تاي بوك.
ويعتبر البرلمان أعلى جهاز لسلطة الدولة، يتبع له مجلس الوزراء (برئاسة تشوي يونغ ريم) وهيئة رئاسة المجلس الشعبي الأعلى (كيم يونغ نام).
أما السلطة الثانية في البلاد فهي الجيش، ويتفرع عنه لجنة الدفاع الوطني (أعلى سلطة عسكرية) ثم وزارة القوات المسلحة الشعبية والجيش الشعبي الكوري الذي يقوده زعيم البلاد نفسه. وفي أيلول عام 2010، تم تعيين عضوين إضافيين في القيادة، هما: الجنرال كيم كيونغ هوي (شقيقة الزعيم الراحل) والجنرال كيم يونغ هوث، فيما تم تعيين النجل الأصغر لكيم جنرالاً يحمل 4 نجوم.
أما حزب العمال الحاكم، فهو تأسس في عام 1945، ونشأ عنه مؤتمر الحزب، لكن هذا المؤتمر غير فعّال على مستوى السلطة وتسند أمانة الحزب العامة لزعيم البلاد نفسه.
وفي الحزب لجنتان: واحدة عسكرية وأخرى مركزية، الأولى يرأسها نائب الرئيس كيم يونغ أون منذ أيلول عام 2010، والثانية تتفرّع عنها رئاسة مكتب سياسي بقيادة كل من رئيس الوزراء الحالي تشوي يونغ ريم ورئيس هيئة رئاسة المجلس الشعبي الأعلى كيم يونغ نام. ويتبع للجنة المركزية الأمانة العامة والمكتب السياسي الذي أُضيف إليه عضوان، هما: شقيقة الزعيم الراحل وزوجها تشانغ سونغ ثايك.
تبقى السلطة القضائية التي تتمثل بالمحكمة المركزية، وينتخب أعضاؤها من قبل المجلس الشعبي الأعلى.
ويوجد في كوريا الشمالية أحزاب مثل الحزب الاشتراكي الديموقراطي الكوري، لكنها تتبع للحزب «القائد» العمال الكوري (تأسس عام 1946)، ثم تسلم السلطة حين أُعلنت جمهورية كوريا الديموقراطية عام 1948، وأصبحت «الزوتشيه» إيديولوجية الدولة الرسمية عام 1972.
أمام هذه الهيكلية الحزبية العائلية المعقّدة المدعومة بقبضة الجيش، الذي يتجاوز عديده المليون ومئتي ألف جندي، من المؤكد أن الزعيم الجديد سيتمتع بنفوذ فعلي في حزب العمال والجيش والاستخبارات، رغم صغر سنه وقلة خبرته. هذا ما يؤكده الخبير في معهد الأبحاث الكوري الجنوبي «سيغونغ»، بايك هاك سون.
ثمة سبب آخر وهو الأهم كداعم أساسي للحكم الشيوعي الكوري في الطرف الشمالي من شبه الجزيرة الكورية، هو الصين التي تشترك مع كوريا بحدود يزيد طولها على 1200 كيلومتر، وتتمتع بعلاقات تجارية مهمة مع الكوريين الشماليين الذين يتزوّدون بنحو 90 في المئة من حاجاتهم من الشقيقة الشيوعية الكبرى. لقد دعمت الصين النظام الستاليني الى جانب السوفيات أثناء الحقبة الباردة، ولا تزال تدعمه، فيما تراجع دعم روسيا لهم. وعلى ما يبدو أن بكين، التي علمت قبل أي دولة أخرى بوفاة كيم يونغ إيل، ستدعم الزعيم الشاب الذي سيكون أيضاً الى جانبه عدد من ضباط الحرس القديم وأفراد العائلة، مثل عمته وزوجها النافذين في السلطات.
لقد لعبت الصين دوراً في دعم النظام الشيوعي لأن سقوطه يعني وصول الأساطيل الأميركية الى سواحلها الجنوبية. انطلاقاً من ذلك، يبدو أن شبه الجزيرة الكورية ستبقى في وضع مستقر، أقلّه في المدى القريب.



الجيش يدعم أون


أعلن مصدر له علاقات وثيقة ببيونغ يانغ وبكين أنه سيتعين على الزعيم الجديد الشاب لكوريا الشمالية كيم يونغ أون (الصورة)، تقاسم السلطة مع الجيش وعمته عضو قيادة الجيش وعضو المكتب السياسي في الحزب الحاكم كيم كيونغ هوي، بعد وفاة والده كيم يونغ إيل، في الوقت الذي تتحول فيه هذه البلاد المنعزلة من نظام شمولي يقوم على حكم الفرد إلى حكم جماعي.
وعندما سئل عن احتمال القيام بانقلاب عسكري، أوضح قائلاً «هذا غير مرجح على الإطلاق ... أقسم الجيش بالولاء لكيم يونغ أون». وأشار المصدر الى أنه بالتجربة الصاروخية التي أجرتها كوريا الشمالية يوم الاثنين الماضي «أرادت توصيل رسالة وهي أن لديها القدرة على حماية نفسها».
وفي سيول، قالت وزارة الدفاع الكورية الجنوبية إن القطار الخاص للزعيم الكوري الشمالي الراحل كان متوقفاً عندما أصيب بنوبة قلبية في نهاية الأسبوع الماضي، ما يدحض الادعاء السابق لبيونغ يانغ بأن كيم توفي في قطار متحرك.
إلى ذلك، غامرت كوريا الجنوبية بإغضاب جارتها الشمالية، أمس، عندما سمحت لناشطين ومعارضين كوريين شماليين بإطلاق بالونات تحمل 200 ألف منشور ينتقد النظام الشيوعي.
(يو بي آي، رويترز)