على وقع استمرار المناورات العسكرية الإيرانية في الخليج، استمرّ الخط البياني للتهديدات المتبادلة بين إيران ودول الغرب في مسارٍ تصاعدي، وخصوصاً على خلفية الردود الأوروبية والأميركية على طهران تحذيراً من إقدامها على إغلاق مضيق هرمز في حال مواصلة هذه الدول تشديد عقوباتها على النظام الإسلامي. تحذير رفضته واشنطن وباريس وبروكسل أمس، فيما خرجت معلومات تفيد باقتراب إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما من اتخاذ موقف مفصلي لمصلحة خيار توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، مع أنّ الحديث عن تفاهم ما مع إسرائيل بشأن «الخطوط الحمراء» التي تبرر مباشرة ضربة «وقائية» للجمهورية الإسلامية، لا يزال يواجه الفشل حتى الآن. وقد تفاعلت المواقف من تهديدات نائب الرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي، أول من أمس، بأنه «لن تمر قطرة نفط واحدة عبر مضيق هرمز إذا أقرت عقوبات على (صادرات) النفط الإيراني»؛ إذ نبّه المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جورج ليتل طهران من أنه «لن يُتسامَح مع أي عرقلة لحركة الملاحة البحرية في مضيق هرمز». بدوره، أعلن المتحدث باسم الأسطول الخامس الأميركي الذي يتخذ من البحرين قاعدة له، أن «كل من يهدد بتعطيل حرية الملاحة في مضيق دولي، يقف بوضوح خارج المجتمع الدولي ولن نقبل بأي تعطيل». وفي إطار التهديدات نفسها، حثّ المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو «السلطات الإيرانية على احترام القانون الدولي، ولا سيما حرية الملاحة في المياه الدولية والمضايق».
أما المتحدث باسم مفوضة الشؤون الأمنية والخارجية في الاتحاد الأوروبي مايكل مان، فقد شدد بدوره على أنّ «الاتحاد الأوروبي ينوي فرض سلسلة جديدة من العقوبات على إيران، ولن نتخلى عن هذه الفكرة»، رغم التهديد بإقفال مضيق هرمز. وبدا أنّ التخوف العالمي جدي من احتمال تنفيذ إيران تهديداتها النفطية؛ إذ نقلت وكالة «أسوشييتد برس» عن مسؤول نفطي سعودي رفيع المستوى، تأكيده أن دول الخليج «تستعد لتعويض أي نقص في إمدادات النفط الإيراني إلى الأسواق العالمية»، في إشارة إلى توقف مرور النفط من «هرمز».
تهديدات ردّت عليها إيران بالتصعيد؛ فقد شدّد مندوب إيران لدى المنظمة المصدّرة للنفط (أوبك)، محمد علي خطيبي، أنه يتعين على الغرب أن يتراجع عن خططه لفرض عقوبات على النفط الإيراني؛ لأن هذه الخطوة «ستؤدي إلى وضع استثنائي ويمكن أن يحدث أي شيء حينئذ». ورأى خطيبي أنه «إذا أُغلق مضيق هرمز، فلن يتسنى تصدير أي نفط من منطقة الخليج، وهذا وضع سيئ للجميع». غير أن قائد البحرية الإيرانية الأميرال حبيب الله سياري ارتأى اعتماد لهجة أقسى من زميله المسؤول النفطي، عندما أشار إلى أن «إغلاق المضيق (هرمز) سهل جداً للقوات المسلحة الإيرانية ويشبه شرب كأس ماء». غير أنه استدرك قائلاً: «اليوم لا حاجة لإغلاق المضيق؛ لأننا نسيطر على بحر عُمان، ويمكننا السيطرة على حركة المرور» البحرية والنفطية.
كلام سياسي تزامن مع استمرار مناورات «الولایة 90» البحرية الإيرانية، حيث لفت العمید البحري محمود موسوي إلى أن عدة أنواع من طائرات من دون طیار تابعة للبحریة الإیرانیة، قامت خلال الأیام القلیلة الماضیة، بمهمات استطلاع ناجحة في منطقة العملیات.
وفي ظل التهديدات المتبادلة، نقلت صحيفة «دايلي بيست» الأميركية عن المستشار الخاص في وزارة الدفاع الأميركية للشؤون الإيرانية، ماثيو كرونينغ، قوله إنّ «الخطوط الحمراء» التي حددتها واشنطن وتل أبيب على اعتبار أنّ تجاوزها يبرر توجيه ضربة وقائية عسكرية لإيران، ينبغي أن تتمثل «بطرد مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الأراضي الإيرانية مثلاً، أو البدء بتخصيب اليورانيوم إلى مستوى 90 في المئة»، وهو الذي يمكّن من تطوير أسلحة نووية أو تثبيت أجهزة طرد مركزية متقدمة في منشأة قم. وبدا أنّ إسرائيل قد تمكنت من دفع الولايات المتحدة إلى تغيير لهجتها الرسمية إزاء البرنامج النووي الإيراني، بعدما قدّم سفيرها لدى واشنطن، مايكل أورن، احتجاجاً رسمياً إلى الإدارة الأميركية، على خلفية تحذيرات وزير دفاعها، ليون بانيتا لإسرائيل، من الآثار التي ستترتب على مهاجمة إيران. احتجاج دفع بالبيت الأبيض في وقت لاحق إلى توجيه رسالة طمأنة إلى إسرائيل، مفادها أن لدى إدارة أوباما «خطوطاً حمراء» شبيهة بالخطوط الإسرائيلية، وبالتالي لا حاجة لتل أبيب بشنّ هجوم أحادي على إيران. وبحسب «دايلي بيست»، فإنه نتيجة للاتصالات الدبلوماسية بين الطرفين، بدَّل بانيتا موقفه السابق الذي كان يفيد بأن الولايات المتحدة ستمنع إيران من امتلاك سلاح نووي بأي وسيلة، وهو ما عاد رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارتين دامبسي، ليحتويه من خلال تحذير طهران من «تقدير خاطئ» إزاء التصميم الأميركي حيالها.
ورغم أن البعض يرى في موافقة تل أبيب على إجراء مباحثات مع الأميركيين بشأن طبيعة هذه «الخطوط الحمراء»، تراجعاً في السقف الإسرائيلي الذي كان يرفض مطلقاً فكرة امتلاك إيران التكنولوجيا النووية والتخصيب على أراضيها، إلا أن المسؤولين الإسرائيليين «بلغوا مرحلة السعي إلى محاولة إقناع نظرائهم الأميركيين بأن فرصة تعطيل البرنامج النووي الإيراني تكاد تتلاشى، وذلك لدفعهم إلى تبنّي الخيار العسكري في المرحلة الحالية»، وفق الصحيفة نفسها. تطوُّر جاء بعد ورود معلومات قُدّمت في مطلع كانون الأول الجاري في واشنطن، ضمن إطار «الحوار الاستراتيجي» القائم بين واشنطن وتل أبيب، عن محاولات إيران بناء مفاعلات سرية لإنتاج الوقود النووي، «والتي أصبحت في مرحلة متقدمة أكثر مما تعتقد الولايات المتحدة». وبحسب المصادر نفسها، لقد حاول المسؤولون الإسرائيليون إضفاء قدر من الصدقية على هذه المعلومات «الاستخبارية»، عبر القول إنها ترتكز على عيِّنات جُمعت بالقرب من أماكن إيرانية «مشكوك فيها». لكن يبدو أن محاولات إسرائيل للتوصل إلى تصوُّر مشترك لـ«الخطوط الحمراء» تجاه إيران، باءت بالفشل حتى الآن، وهو ما برز في تقرير الصحيفة الأميركية التي رأت أن الخلاف القائم بين الطرفين يتمحور حول تحديد مدى نجاح إيران من عدمه في تطوير مواقع نووية سرية، وبالتالي عدم التوصل إلى مفهوم مشترك لـ«الخطوط الحمراء» بين واشنطن وتل أبيب.
وقد نقلت الصحيفة نفسها عن «معهد واشنطن لشؤون الشرق الأوسط»، تأكيده أن مستشاري الرئيس الأميركي مقتنعون تماماً بأنه «إذا تبين أن إيران تمكنت من إحداث اختراق جوهري باتجاه امتلاك سلاح نووي، فإن أوباما سيصدر تعليماته لاستخدام القوة العسكرية لكبح» الجمهورية الإسلامية. لكن الباحث في المعهد، باتريك كلاوسون، رأى أن «أحداً لا يعلم كيف سيتصرف الرئيس عندما تحين اللحظة».
على صعيد آخر، أكد المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي أن الاصطفاف السياسي في العالم يتغير بنحو أساسي، داعياً سفراء إيران في الخارج إلى «رصد الأحداث الكبرى في المنطقة وأوروبا والعالم بيقظة تامة». بدوره، اتّهم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد «بعض الحكومات في المنطقة» بأنها «تتصور أنها ستدوم وتبقى فیما لو تعاونت ونفذت برامج أميركا وحلفائها»، متوقعاً «أنها تقع في فخ یؤدي إلی إطاحتها أخیراً».

(الأخبار، أ ب، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)