بغداد | حتى مساء أمس، لم تقدّم «المفوضية العليا» نتائج التصويت النهائية، وبالتالي فإن الخريطة الجديدة للمجلس النيابي لم تكتمل عناصرها. التأخير في الإعلان لم يكن عائقاً أمام الأحزاب والكيانات السياسية في إطلاق ورشة مفاوضات تشكيل «الكتلة الأكبر»، التي ستسمّي بدورها رئيس الوزراء المقبل. حراكٌ ليس بعراقيٍّ صرف؛ فدخول طهران ــ الرياض على خطّ المفاوضات بدا واضحاً، وباعتراف تلك الأحزاب نفسها. وعليه، فإن التحالفات وما سينتج منها، يقدّم صورةً عن المواجهة الجديدة، بين العاصمتين الإقليميتين في «عراق ما بعد داعش».حطّ قائد «قوّة القدس» الإيرانية، قاسم سليماني، رحاله في بغداد، متأخّراً «بعض الشيء» عن مبعوث الرئيس الأميركي الخاص في «التحالف الدولي» بريت ماكغورك، الذي وصل قبل يومين، سابقاً إيّاه في زياراتٍ مكّوكية على الساسة، وطرحه لـ«عروض تحالفاتٍ» بين القوائم الفائزة، إضافةً إلى ما تردّد من حديث ــ في الأوساط السياسية ــ عن تدخل فريقه في عمل «المفوضية المستقلة العليا للانتخابات»، وما أدّى ذلك من صعودٍ لبعض المرشحين.
أولى محطات جولة سليماني، بدأت بلقائه رئيس «التحالف الوطني» السابق إبراهيم الجعفري، حيث ناقش الجانبان نتائج الانتخابات الأوليّة، و«سيناريوات» التحالفات المفترضة، وشكل الحكومة المقبلة. مصدرٌ متابع، أكّد في حديثه إلى «الأخبار»، أن «سليماني طلب من الجعفري أن يلعب دور الوسيط لجمع الفرقاء الشيعة، لما يتمتع به الرجل من مقبولية منهم»، لافتاً إلى أن «الجعفري فضّل الانتظار والتأنّي بعض الشيء، حتى اكتمال إعلان نتائج الانتخابات واتضاح الصورة».
وعلى رغم إعلان «المفوضية» ليل أمس، نتائج محافظتي كركوك ودهوك، إلا أنها أرجأت الإعلان النهائي لنتائج التصويت العام، والخاص، والخارج، إلى الساعات الـ48 المقبلة، إضافةً إلى القوائم الفائزة وعدد مقاعدها وأسماء مرشحيها، وسط الحديث عن تقدّم إئتلاف النصر (بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي) للمركز الثاني بـ51 مقعداً، وتراجع تحالف الفتح (بزعامة الأمين العام لـ«منظمة بدر» هادي العمري) للمركز الثالث بـ50 مقعداً، فيما حافظ إئتلاف سائرون (المدعوم من زعيم «التيّار الصدري» مقتدى الصدر) على صدارة القوائم الفائزة بـ55 مقعداً.
بدوره، يواصل زعيم إئتلاف «دولة القانون» نوري المالكي (الرابع في ترتيب القوائم بـ25 مقعداً)، حراكه السريع لتشكيل «الكتلة الأكبر»، مع وصول وفودٍ كرديّة من مختلف القوى إلى بغداد للقائه، وبحث إمكانية انضمامها إليه. وفي هذا الإطار، أشار المدير الإعلامي لمكتب المالكي، هشام الركابي، إلى أن «جميع النقاشات والحوارات التي بدأها الإئتلاف خلال اليومين الماضيين حول تشكيل تحالفٍ يأخذ على عاتقه تشكيل حكومة الغالبية السياسية ستستكمل خلال الـ48 ساعة المقبلة». وفيما تحفّظ الركابي عن أسماء الكتل والشخصيات التي ستتحالف مع «دولة القانون»، كشف القيادي في «حزب الدعوة» النائب كامل الزيدي عن توصل إئتلافه إلى تفاهمات «شبه نهائية» مع «الفتح» لتشكيل «التحالف الأكبر»، قائلاً خلال تصريحٍ صحافي إن «المفاوضات لتشكيل الحكومة الجديدة بدأت مساء أوّل من أمس، بعقد اجتماعاتٍ عدّة، سيتم الإعلان عنها في حال التوصّل إلى اتفاقات نهائية، واكتمال إعلان نتائج الانتخابات». وأضاف «هناك اتصالاتٍ حالية تجري مع الاتحاد الوطني، وحزب برهم صالح، وجهات سياسية سُنّية لتشكيل إئتلاف يضمن الغالبية السياسية الوطنية»، غير أن المحادثات، لم تسفر عن «تحديد هويّة رئيس الوزراء المقبل، بل إنها لم تطرح في نقاشات الساعات الماضية».
وعلمت «الأخبار» أيضاً، أن اجتماعاً عُقد بين جناحي «الدعوة» (المالكي والعبادي)، إلى جانب كوادر من «الفتح»، أفضى إلى «توقيع وثيقة شرف تنص على عدم ترشيح العامري، والعبادي، والمالكي لرئاسة الوزراء، والعمل على تشكيل الكتلة الأكبر». وعلى هذا الصعيد، أكّد مصدرٌ مقرّبٌ من المالكي، أن «الاجتماع توصّل إلى نتائج طيبة لتشكيل القائمة الأكبر»، محذّراً من «التأثير الإقليمي أو الدولي».
العبادي، ورئيس تيّار الحكمة الوطني، عمار الحكيم، لم يحسما رأيهما في شأن الانضمام إلى أيٍّ من المالكي أو الصدر؛ إذ نفى المتحدث باسم «النصر» حسين العادلي وجود مثل تلك الاتصالات، معتبراً أن «الوقت ما زال مبكراً لذلك»، في وقتٍ يستبعد مقربّون من العبادي أيّ تماهٍ مع المالكي، لجملةٍ من الأسباب أبرزها رفض الأخير عودة العبادي إلى السلطة، فيما السبب الآخر مردّه إلى «التخندق الطائفي، الذي سيكون واضحاً مع تكتّلٍ من هذا النوع»، لافتاً إلى أن «المحاصصة ستعود بوجود تحالفاتٍ كهذه، وهذا ما لا يريده العبادي». هنا، يبرز الموقف الإيراني، والمرونة التي أبدتها طهران في شأن «الولاية الثانية» للعبادي، خصوصاً لو «خُيّرت بينه وبين مرشح يختاره الصدر، لأنه سيكون مدعوماً حتماً من الرياض»، بتعبير بعض المراقبين، والأمر بدا ملحوظاً مع ترحيب الوزير السعودي ثامر السبهان بتصريح الصدر الداعي إلى تحالف سياسي لا يشمل «حلفاء طهران».
الترحيب السعودي، والترويج لتحالف العبادي ـ الصدر، يعود إلى «استثناء الرجلين للحشد في تحالفاتهم المستقبلية»، في حين تشير مصادر مقرّبة من العبادي، إلى عجز الصدر عن «تثبيت حكمه»، نظراً إلى حجم كتلته المحدود بعيداً من «سائرون»، وإمكانية «فرطها» لاحقاً، الأمر الذي يسهّل الطريق أمام «(النصر) كي يكون بيضة القبّان، ومنه رئيس الحكومة».