تبدو المفاوضات الدائرة بين المكونات السياسية العراقية، وخصوصاً القوائم الفائزة («سائرون» المدعومة من زعيم «التيّار الصدري» مقتدى الصدر، و«الحكمة» المدعومة من زعيم «تيار الحكمة» عمار الحكيم، و«ائتلاف النصر» بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي)، بشأن تحالفات ما بعد الانتخابات أشبه بـ«عصف أفكار»، لكن ذلك لا يمنع بروز خطوط أولية لتحالفات ممكنة. إمكانات يتصدرها احتمال انعقاد تحالف بين كل من الصدر والحكيم والعبادي مع تأكيد الأطراف الثلاثة انسجام طروحاتهم؛ إذ أشار العبادي، أمس، خلال مؤتمره الصحافي الأسبوعي، إلى أن «اللقاء مع الصدر شهد تطابقاً في وجهات النظر بشأن المرحلة المقبلة»، لافتاً أيضاً إلى «وجود تطابق شبه كامل في ما يتعلق بتشكيل حكومة تكنوقراط قوية». ودعا «المفوضية العليا المستقلة للانتخابات» إلى انتهاج «الشفافية في العمل، وتسليم الكتل السياسية كل المعلومات عن كل محطة انتخابية»، مستبعداً تحقيق مطالب البعض بإعادة الانتخابات، بل «يجب التحقق جيداً من النتائج النهائية، وعلى المفوضية أن تحمي صوت المواطن، لا أن تحمي كتلاً وأسماء». وأضاف أنه «يجب التزام الوقت الدستوري المحدد لتشكيل الحكومة المقبلة»، متوقعاً تشكيلها قبل انتهاء المدة القانونية المحددة (خلال ثلاثة أشهر مقبلة).
تحدّث العبادي عن «تطابق في وجهات النظر» مع الصدر

إعلان العبادي يشي بارتفاع حظوظ تحالفه مع الصدر، إلا أن مصادر مقربة من الأول تتحدث عن حالة من «القلق وعدم الوضوح» يعيشها الرجل نتيجة «حراجة الموقف الذي يمرّ به». فهو متمسك بانتمائه إلى «حزب الدعوة الإسلامية»، وبحقه في ولاية ثانية، إلا أن الصدر ــ مقابل تزكية العبادي لمنصب رئاسة الوزراء ــ يريد إخراج الرجل من عباءة حزبه، الأمر التي تصفه المصادر بـ«الضربة القاضية للدعوة، وإخراج رئاسة الحكومة من قبضتها إلى غير رجعة». وعليه، فإن العبادي، في حال مضيّه في التحالف مع الصدر بهذه الشروط، فهو يعرض كتلته لـ«التشظي والتفكك، ويقود نفسه إلى تهلكة الارتهان للصدر ليتحول إلى ورقة بيده». «حسبة» يدركها العبادي جيداً وفق مقربين منه، لذا فإن التحالف مع «سائرون» يظلّ بحسب هؤلاء مرهوناً بـ«إشارة إقليمية»، وخصوصاً أن «التوازن» الذي استطاع العبادي بين الأطراف الخارجيين الفاعلين على الساحة العراقية، لا يمكنه التخلي عنه ببساطة، أو الانجرار وراء خطاب الصدر غير الودي تجاه طهران.
أما الصدر فيواصل في مقرّ إقامته في العاصمة بغداد استقبال «المهنئين» بتصدّر قائمته النتائج الانتخابية، مُحاوِلاً في الوقت عينه جمع أكبر قدر ممكن من «الحلفاء المؤمنين بمشروعه الإصلاحي» كما يقول. وحلّ زعيم «تحالف القرار العراقي»، أسامة النجيفي، أمس، ضيفاً على الصدر، حيث شدد الجانبان على ضرورة السير في المرحلة المقبلة بـ«منهج وطني خالص بعيداً عن الفئوية»، إلى جانب «النزول عند تطلعات المواطنين في العيش بسلام وأمان، وتوفير كافة الخدمات لهم، وإبعاد شبح الطائفية». ولئن لم يحسم النجيفي موقفه من التحالف مع الصدر، إلا أن شريكه في زعامة «القرار»، الأمين العام لـ«المشروع العربي» خميس الخنجر، يشجع على خطوة مماثلة في ظلّ تقارب الرؤى بينه وبين الصدر، في وقتٍ تذهب فيه بعض المصادر المتابعة لمسار المفاوضات بين الجانبين إلى أن إعلان تحالفهما «مسألة وقت ليس إلا».
كردياً، زار وفد «الحزب الديموقراطي الكردستاني» كلاً من الصدر وزعيم «ائتلاف دولة القانون»، نوري المالكي، الذي تتزايد المؤشرات إلى تقارب بينه وبين الكتلة الكردية. وشدّد الصدر، خلال استقباله الوفد، على ضرورة «وحدة الموقف الكردي إزاء الأحداث والتطورات»، داعياً إلى أن «تتجه الحكومة في المرحلة القادمة إلى حل جميع المشاكل العالقة مع الأكراد، والعمل بأبوية مع جميع مكونات الشعب العراقي». أما المالكي، فقد حضّ على «العمل المشترك بين جميع القوى الوطنية بهدف تحقيق الأهداف المنشودة، والعمل لتأسيس مرحلة جديدة تكون من مقوماتها حكومة تمتلك برنامجاً وطنياً موحداً».