| خطا البرلمان العراقي خطوة إضافية على طريق التصعيد بوجه «المفوضية العليا المستقلة للانتخابات»، في وقت تزايدت فيه المؤشرات إلى احتمال تدخّل السلطة القضائية لحلّ النزاع المحتدم على نزاهة الانتخابات التي أجريت في الـ12 من الشهر الجاري. وعلى الرغم من أن «المفوضية» بادرت إلى اتخاذ إجراءات متقدمة سعياً منها إلى امتصاص الغضب المتصاعد عليها، والذي وصلت أصداؤه إلى أروقة الأمم المتحدة، إلا أن مجلس النواب بدا مصرّاً على المضي في قراراته حتى الاستجابة الكاملة لها، في موقف يخشى كثيرون من أن يؤدي إلى تبعات أمنية، فضلاً عن تأثيراته على المستوى السياسي، فيما يرى آخرون أنه لن يتجاوز حدود الضغط في اتجاه إحداث تعديلات في نتيجة التصويت، بدأ مسارها عملياً مع إعلان «المفوضية» إلغاء نتائج أكثر من ألف صندوق موزعة ما بين الداخل والخارج.واستأنف البرلمان، أمس، جلسته الاستثنائية المفتوحة التي انطلقت يوم الاثنين الماضي، مُجرياً قراءته الأولى لمقترح قانون ينصّ على إلغاء انتخابات الخارج والتصويت المشروط (تصويت النازحين)، ويلزم «المفوضية» بإعادة العدّ والفرز على أساس يدوي في جميع المحافظات. قراءة ستتبعها ثانية يوم السبت المقبل، حيث يعاود مجلس النواب استئناف جلسته المفتوحة بحسب ما أعلن رئيسه، سليم الجبوري، على أن يجري التصويت على مشروع القانون يوم الثلاثاء. والظاهر أن البرلمان يحاول من خلال تلك الخطوات إبعاد أيّ شبهة قانونية من القرار الذي جرى التصويت عليه مطلع الأسبوع بعد تكاثر الآراء التي تقول بـ«لا دستوريته»، بحيث «تصبح المفوضية ملزمة بتنفيذه» على حدّ تعبير مقرر مجلس النواب، نيازي أوغلو، الذي استغرب التشكيك في نصاب جلسة الاثنين، داعياً المشككين إلى التقدم بطعن لدى المحكمة الاتحادية. وتوعّد رئيس البرلمان، من جهته، بـ«إجراءات (أخرى) سيتبعها البرلمان قد تصل إلى سحب الثقة من المفوضية والأشخاص المقصرين».
أعلنت المفوضية إلغاء نتائج أكثر من ألف صندوق


مواقف وتحركات قابلتها «المفوضية» بخطوة «تنازلية» تستهدف على ما يبدو تطويق السخط المتزايد على ما يقال إنها عمليات تزوير وتلاعب شابت الانتخابات، خصوصاً أن دعاوى الخروقات لم تعد مقتصرة على الخاسرين أو على الداخل عموماً، بل وصلت إلى الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، يان كوبيتش، الذي أكد أمس، في كلمة له خلال جلسة لمجلس الأمن، أن الانتخابات شهدت «عمليات تزوير وترهيب». وأعلنت «المفوضية» إلغاء نتائج 1021 صندوق اقتراع في الداخل والخارج (من أصل 54 ألفاً)، بسبب ما سمّتها «شكاوى حمراء»، كاشفة «تشكيل لجان تحقيق لمحاسبة المقصرين»، ومؤكدة «استمرارها في تسلّم الطعون، وعدم ترددها في معالجة أي خروقات».
هذا الإعلان لا يبدو أنه سيفلح في فرملة اندفاعة بعض القوى والشخصيات نحو إلغاء النتائج أو على الأقل تعديلها بما من شأنه إزاحة مرشحين وتقديم آخرين وإطاحة كتل وتنقيص أخرى. تقدير تشي به مواقف هؤلاء المتمسكة بقرار البرلمان، والمشددة على ضرورة تنفيذه، وكان آخرها ما أعلنه أمس «ائتلاف الوطنية» بزعامة إياد علاوي من «دعم كامل لقرار مجلس النواب»، ودعوة إلى «تنفيذه فوراً ومن دون عراقيل، بما يضع حقوق المتنافسين في نصابها الصحيح، ويمنح العملية الانتخابية شرعيتها». لكن تلك المواقف تقابَل بضغط مضاد في اتجاه تثبيت نتائج الانتخابات، يتصدره الحزبان الكرديان الرئيسان وإلى جانبهما «التيار الصدري»، فيما لا تبدو قوى أخرى كائتلافَي «النصر» بقيادة حيدر العبادي و«الفتح» بزعامة هادي العامري متحمّسة لإلغاء النتائج، وما بين الفريقين تلزم بعض القوى كـ«ائتلاف دولة القانون» بقيادة نوري المالكي موقف الحياد على قاعدة أن الاشتباك الدائر حالياً سيعود «خراجه» إليها. وجدد «الحزب الديمقراطي الكردستاني» (مسعود البرزاني)، أمس، رفضه القرار الأخير الصادر عن البرلمان، داعياً «المفوضية» إلى «التزام الأحكام والقوانين النافذة في هذا الشأن»، فيما رأى «الاتحاد الوطني الكردستاني» أنه «ليس من صلاحيات البرلمان إلغاء نتائج الانتخابات بأي شكل من الأشكال».
ردّ الفعل الكردي المتشدد والموحّد يظهر أنه أفلح في حمل رئيس الجمهورية، فؤاد معصوم، على اتخاذ موقف أكثر وضوحاً تجاه قرار البرلمان، وتشريع الأبواب على تدخل «المحكمة الاتحادية العليا» التي كرّر «الاتحاد الوطني» عزمه على التقدم بطعن لديها ضد القرار المشار إليه. إذ أصدر مكتب معصوم، أمس، بياناً وصف فيه قرار مجلس النواب بأنه «مخالف للدستور وقانون المفوضية»، معلِناً أنه «جرت مفاتحة المحكمة الاتحادية العليا لبيان الرأي بصدد ذلك». وهو ما استدعى رداً من قبل رئيس البرلمان الذي طالب، في بيان، «سلطتَي الرئاسة والقضاء بتفعيل مهمتهما الدستورية بشكل... يقطع الطريق على الإرادات السياسية التي تسعى إلى تمرير الأخطاء الكارثية التي شابت العملية الانتخابية»، مؤكداً أن «مجلس النواب ماضٍ في اتخاد القرارات التي من شأنها حماية المسار الديمقراطي».