يبدو أن النزال الانتخابي الدائر في العراق منذ ما بعد الانتخابات النيابية التي أُجريت في الـ12 من شهر أيار/ مايو الماضي يتجه نحو مزيد من التصعيد، في ظلّ انضمام حكومة حيدر العبادي إلى صفوف المطالِبين بإلغاء جزئي للنتائج وإعادة العدّ والفرز اليدوي. انضمام مثّل دفعة لتحركات مجلس النواب، الذي يستأنف اليوم جلسته الاستثنائية المفتوحة للتصويت على مشروع قانون يلزم «المفوضية العليا للانتخابات» بالعدّ والفرز على أساس يدوي. ومع تصديق مجلس الوزراء على توصيات لجنة كان قد شكّلها للنظر في الخروقات التي رافقت العملية الانتخابية، وإعلان حظر سفر على مسؤولي «مفوضية الانتخابات» تظهر الأخيرة في موقف أضعف مما كانت عليه بداية السجال، فيما تتجه الأنظار إلى المحكمة الاتحادية العليا التي يُفترض تدخلها لحسم هذا النزاع.وصدّق مجلس الوزراء، في جلسته الاعتيادية أمس، على توصيات اللجنة المشكلة بشأن مزاعم التزوير في الانتخابات، والتي نصّت على ما يأتي: إلغاء نتائج انتخابات الخارج والنازحين، إجراء عدّ وفرز يدوي لما لا يقل عن 5% من الأصوات في جميع المراكز، ملاحقة المتلاعبين واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم، وإلزام مسؤولي «مفوضية الانتخابات» (من درجة مدير عام فما فوق) بالاستحصال على موافقة رئيس مجلس الوزراء قبل السفر خارج العراق. توصيات مشابهة للقرارات التي كانت قد صدرت عن البرلمان الأسبوع الماضي (مع فارق في نسبة الأصوات التي تتعيّن إعادة عدّها وفرزها يدوياً) أيدها رئيس الحكومة، حيدر العبادي، مبرراً موقفه بأنه «في كل سنة تُسجّل خروقات، ونترك الشأن لمفوضية الانتخابات للتحقيق في الشكاوى»، مستدرِكاً بأنه «شعر بالقلق بعد الاطلاع على تقرير اللجنة العليا». وبعدما كان قد وصف قرارات البرلمان بـ«الخاطئة»، أقرّ العبادي بأن انتخابات الـ12 من أيار/ مايو شهدت «خروقات جسيمة»، لافتاً إلى أن «الاعتماد على أجهزة تصويت إلكتروني غير مفحوصة أوقعنا في إشكالات».
اتهم حزب البرزاني كلاً من العبادي والجبوري بـ«دفع البلاد إلى الهاوية»


هذه المواقف أثارت رد فعل مرحّباً على مقلب البرلمان، الذي ثمّن رئيسه، سليم الجبوري، في بيان، ما أقدم عليه مجلس الوزراء، عاداً إياه «تدعيماً للقرارات التي اتخذها مجلس النواب»، معتبراً أنه «يمكن أن يمثل انعطافة كبيرة وتحولاً بارزاً، قد يسهم في الإسراع في تشكيل الحكومة واستقرار الأوضاع». ودعا الجبوري أعضاء البرلمان إلى «حضور جلسة يوم غد الأربعاء (اليوم) من أجل استكمال الدور الذي أدّاه المجلس في الوقوف ضد عمليات التزوير والتلاعب، والحفاظ على سلامة العملية السياسية». لكن قرارات مجلس الوزراء، شأنها شأن قرارات البرلمان، لم تَرُق القوى والشخصيات التي تصدرت القوائم الفائزة في الانتخابات، وعلى رأسها «الحزب الديمقراطي الكردستاني» (بزعامة مسعود البرزاني) الذي اتهم العبادي والجبوري بأنهما «يريدان دفع البلد نحو الهاوية»، عبر «إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وإسقاط العملية الانتخابية الديمقراطية». ووصف القيادي في الحزب، وزير المالية السابق، هوشيار زيباري، ما يجري بأنه «تجاوز صريح للدستور والقانون»، داعياً القضاء إلى أن «يكون الفيصل في الطعون والشكاوى حصراً، وليس القرارات الوزارية أو البرلمانية». ورأى تحالف «سائرون»، المدعوم من زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، من جهته، أن «البعض يعمل على تشويه الانتخابات، وتصوير كل ما جرى في إطارها على أنه باطل، بذريعة الخروقات التي شددنا مراراً على ضرورة معالجتها بالطرق القانونية». وأشار المتحدث باسم التحالف، قحطان الجبوري، إلى أن «المواطن العراقي الذي منح صوته لمن يمثله إنما سعى بذلك إلى الإسهام في تشكيل حكومة جديدة في أسرع وقت»، مشدداً على أن «ذلك يتطلب السرعة في اتخاذ الإجراءات ذات الصلة، لأنّ من غير الممكن القبول ببقاء الحال على ما هو عليه».
استعجال الفائزين تصديق المحكمة الاتحادية العليا على نتائج الانتخابات، تمهيداً لإطلاق عجلة التأليف الحكومي، لا يبدو أنه سيلقى تجاوباً سريعاً لدى المعنيين، في ظل الموقف الحرج الذي باتت موضوعة فيه «مفوضية الانتخابات»، التي قد تضطر أعلى سلطة قضائية في البلاد - هي الأخرى - إلى نفض يدها منها، بعدما حمّلها العبادي نفسه مسؤولية الخروقات التي تخلّلت العملية الانتخابية. ومع انعقاد جلسة رابعة اليوم لمجلس النواب إثر جلسة الـ28 من أيار/ مايو الشهيرة، يظهر أن الخناق سيشتد أكثر فأكثر على «المفوضية»، وهو ما لمّحت إليه «المحكمة الاتحادية» أمس بإرجاعها عدم تصديقها على أسماء الأعضاء الجدد حتى الآن إلى أن «القوائم لمّا تصلها من المفوضية العليا المستقلة للانتخابات»، بحسب ما أعلن المتحدث باسم المحكمة، إياس الساموك، الأمر الذي يعني أن هذه الهيئة الانتخابية قد تضحي من دون غطاء قانوني مع اتساع دائرة الرافضين لأدائها.