بغداد | مفاجئاً جاء قرار الحكومة الاتحادية تأجيل زيارة كانت مقررة أمس لوفد منها للمملكة السعودية، لبحث إمكانية إمداد المحافظات الجنوبية من العراق بالطاقة الكهربائية بعدما قطعت إيران خطوط تغذيتها لتلك المحافظات. تأجيل لا يمكن عزله عن المشهد السياسي المعقد، الذي تتصدره الجهود الإيرانية المبذولة - منذ إجراء الانتخابات التشريعية في 12 أيار/ مايو الماضي - في ترتيب «البيت الشيعي»، تمهيداً لتشكيل «الكتلة النيابية الأكبر»، التي ستسمي بدورها رئيس الوزراء المقبل. في هذا الإطار، تعرب مصادر مقربة من رئيس الوزراء، حيدر العبادي، عن اعتقادها بوجود توجه إيراني لإزاحة العبادي من منصبه وعدم منحه ولاية ثانية. توجه تضع المصادر في إطاره ما تسميها «لعبة الشارع»؛ إذ تلمّح إلى أن إيران هي التي تقف وراء تحريك الشارع بطريقة غير مباشرة، واصفةً ذلك بأنه «لعب بالنار». وتوضح المصادر حديثها بأن قطع خطوط التغذية الكهربائية عن المحافظات الجنوبية كان «رسالة واضحة ليس للحكومة فحسب ــ وإن كانت مُوجَّهة إليها خصوصاً ــ بل لمعظم القوى السياسية الحاضرة في الجنوب، ومضمونها: التزموا قرار قائد قوة القدس في الحرس الثوري، قاسم سليماني».
يجري العمل على تسوية أوضاع 10 آلاف من أبناء المدينة


ومع تفاقم أزمتَي الكهرباء والماء، اجتمعت، وفقاً للرواية المتقدمة، العوامل اللازمة لتحريك الشارع. تسارعت الأحداث على مدى الأيام العشرة الماضية في ساحات الاحتجاج، وتطور بعضها إلى مواجهات بين المتظاهرين والقوى الأمنية أدت إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى. كذلك، جاء خطاب المرجعية الدينية المتعاطف مع «المطالب المحقّة» ليرفع منسوب النقمة الشعبية، ويمثل ضربة جديدة من النجف لحاملي راية «الإسلام السياسي»، وإنذاراً بمواقف أكثر حدة قد تخرج بها المؤسسة الدينية ضد الطبقة الحاكمة، التي أعربت المرجعية ــ في أكثر من موقف ــ عن «سخطها» على أدائها الخدمي.
هنا، وجد فريق العبادي نفسه أمام مأزق حقيقي، في وقتٍ سارعت فيه القوى السياسية المختلفة إلى التشاور في ما بينها «حفاظاً على ماء وجهها». لكن في مقابل رواية رئيس الوزراء، تأتي رواية القوى المحسوبة على طهران التي ترى أن «الحلول المجتزأة» التي أطلقتها الحكومة «ليست كافية»، مُنبِّهةً إلى أن «المطالب الشعبية تشكل مادة دسمة للاستثمار السياسي»، ومعتبرة ما جرى في الأيام الماضية دليلاً على وجود «مؤامرة برعاية أميركية» ضد «قوى الإسلام السياسي» تقودها «منظمات المجتمع المدني».
وبمعزل عن صحة رواية فريق العبادي، فهو نجح - على ما يبدو - في «هزّ العصا» لإيران، بإعلانه التوجه إلى السعودية لبحث إمكانية إمداد المحافظات الجنوبية بالطاقة الكهربائية. توجه يحيل على سؤال قديم - جديد عن إمكانية انتقال العبادي إلى المحور السعودي. هنا، تسارع المصادر المقربة من العبادي إلى نفي أي حديث من هذا القبيل، فـ«واهم ولا يقدِّر المواقف من يدعي أننا نميل إلى السعودية»، مشيرة إلى أن «شفافيتنا ووضوحنا في إدارة الحكم سنحا بالتشكيك بنياتنا». وتضيف المصادر أن «هذا الابتزاز قابله تهديد... وإن كانت حدوده الموقف الإعلامي»، إلا أن طهران لمست فيه «توجهاً حاسماً من بغداد يدعو إلى ضرورة تحييد الشارع عن الفشل السياسي». وتتابع: «صحيح أن الإيرانيين ضغطوا لعدم التوجه إلى السعودية، وتعهدوا بإعادة التغذية الكهربائية قريباً، إلا أن ما جرى يدعو إلى ضرورة التفكر في كيفية إدارة الملف العراقي من قبل طهران»، جازمة بأن سليماني سينجح في إعادة «لمّ الشيعة قريباً... لكن في حدود ما يمنحهم القدرة على تسمية رئيس الوزراء فقط... وهذا لا يخدمهم أبداً».