لمرّاتٍ عدّة أخفق «حزب الدعوة الإسلامية» في عقد مؤتمره العام. عجزٌ يترجم فشل قيادته، التي لم تجدّد نفسها منذ عقود، في إيجاد حلولٍ لأصغر أزماتها، فتراكمت مع أداء وصف بـــ«السيئ» خلال الأعوام الماضية. كل هذا أنتج واقعاً كارثيّاً أطاح من قبضتها منصب «حاكم بغداد». واليوم ثمّة حراكٌ جديٌّ لعقد المؤتمر يقوده عددٌ من «الدعاة» التاريخيين. ومع القليل من الأمل، ينذر المشهد الضبابي بأن مصير الحراك مجهول. قبل أيام، أعلن القيادي في «حزب الدعوة الإسلامية» العراقي عبد الحليم الزهيري أن ائتلافي «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي و«النصر» بزعامة حيدر العبادي، وهما أبرز جناحي الحزب في المشهد السياسي، «قد يندمجان في أي لحظة»، مرجّحاً أن تؤدي هذه الخطوة إلى «إرباك العملية السياسية الحالية». مواقف الزهيري، الذي يُعدّ أبرز القادة التاريخيين للحزب، فسّرتها أوساطٌ متابعة لحراك الدمج بأنّها «هربٌ إلى الأمام»، خصوصاً أنّه ردّ نجاح تلك الخطوة إلى «توافر الأرضية المناسبة»، في إشارة إلى عجز قيادة «الدعوة» عن إقناع الرئيسين السابقين بضرورة العودة إلى البيت الواحد، وما عزّز هذا التفسير حديثه عن أن «المؤتمر العام للحزب قد يعقد بعد رمضان، لكن الأمور الفنيّة قد تعرقله».
هذه التصريحات «الدبلوماسية» تقود إلى سؤال عن مدى جديّة الحراك القائم داخل الحزب لإعادة لملمة صفوفه. فالمعلومات تشي بأن عدداً من «الدعاة» التاريخيين أسسوا مجموعة لُقّبت بـ«النخبة»، تعمل في الوقت الراهن على تقريب الوجهات بين الأطراف المختلفة. تقول مصادر لـ«الأخبار» إن المعنيين بعقد المؤتمر يناقشون ـــ ضمن حلقاتٍ أُسست لهذا الغرض ـــ الاقتراحات التي تصبّ في مصلحة إعادة الحيوية إلى الحزب، مشيرة إلى أن «الجميع متفقون على وجود أزمة، وعلينا التفكير في مخارج لها».
وتلتمس المصادر خطورةً في أن تطيح الأزمة «الدعوة» وإرثه، لكنها ترفض حصرها بـ«أزمة شخصين، وإن كان هذا الكلام واقعيّاً، لأننا نريد إيجاد حلّ جذريّ للمشكلة، وليس حلّ نتائجها». الوصف، وفق المصادر نفسها، ليس تهويلاً، بل «مقاربة دقيقة للواقع، فهناك أُسس وممارسات أفرزت هذا الواقع، وقد تتكرر في المستقبل، أبرزها أداؤنا السياسي والحزبي، إلى حد أن مشكلة صغيرة وقع فيها الحزب (انتقال السلطة من المالكي إلى العبادي في آب/ أغسطس 2014) أدّت إلى كل هذه النتائج». وتضيف أنها ليست أزمة مرتطبة مباشرة بخلاف المالكي ـــ العبادي، فـ«الحراك يحاول أن يضع أُسساً لبناء حزب يحاكي المدارس الحديثة في علم الإدارة والأداء الحزبي، بدءاً من التنظيم وحشد الطاقات، وصولاً إلى ما يجعلنا فعالين في الحياة السياسية، والتأثير في المجتمع وثقافته ووعيه».

اندماجٌ في الأفق؟
تشي علاقة المالكي ـــ العبادي بأنها وصلت إلى طريقٍ مسدود. لكن هذا مجرد «اتهام إعلامي» طبقاً لعدد من قادة الحزب، لأن «الحوار بين الرجلين قائم والاجتماعات مستمرة، فالأزمة أكبر من اتفاقهما، وهناك مساعٍ كبيرة لمعالجة موضوع التحالفين، وليس الشخصين». هنا، يبرز الحديث عن اندماج «القانون» و«النصر» في تحالف نيابيّ واحد. صحيحٌ أن هناك مساعي جديّة لخطوة مماثلة، لكنّ «طبيعة الوضع السياسي والعلاقة بين التحالفين قد تعرقل الاندماج»، تزيد المصادر. وإن كان هذا «أمل» جميع «الدعاة»، فإن الحدّ الأدنى من مطالبهم هو «تفاهم أو نوع من التوافق على أداء معيّن في إدارة الأزمة والحكم، وألّا يستهدف أحدهم الآخر».
يوجد تخوف من أن تطيح الأزمة الحالية الحزب وإرثه السياسي


أمام هذا التحدّي، يبرز موضوع انعقاد المؤتمر العام الذي سيكون استكمالاً لتفاهم الرجلين، ومن ثم إعلان مواجهة حقيقيّة للأزمة الممتدة منذ سنوات. المعلومات تشير إلى أن «مجموعة النخبة تضغط باتجاه عقد المؤتمر خلال الشهرين المقبلين، لكن المشكلة الفنيّة، لناحية التحضير والأشخاص الذين يحق لهم الحضور وبنود الأعمال، هي أبرز معوقاته». وبمعزل عن تلك المعوقات، سيكون جدول الأعمال مخصصاً لنقاش «آليات بناء مؤسسة إداريّة حزبيّة حديثة، وتعديل النظام الداخلي، بما يجعل الحزب وسيلة سياسيّة حتى نستطيع بناء مؤسسة لا تتأثر بشخص معين، ولا تتأثر بإضافة أو فقدان شخص»، بتعبير أكثر من مصدر.
يضيف هؤلاء أن التحدي الآخر هو إيجاد آليات لـ«استثمار الطاقات الهائلة التي بُنيت خلال العقود الستة الماضية، وزجّها في إدارة الحزب والتأثير في رفع مستوى الوعي والثقافة والأداء والحضور السياسي للدعوة»، حتى يكون المؤتمر «استثنائياً»، ويتمكّن فيه الحزب من الفصل بين مرحلتين مهمتين من حياته، وأن يحقق «طفرة نوعيّة وانقلاباً في إدارته ونظامه».

أين «الدعاة» التاريخيون؟
في مقارنة بين ما يأمله «الدعاة» وما يمكن أن يحققوه، تبرز مشكلة أخرى، لكنها يمكن أن تكون الحل: القادة التاريخيون. فطهران تُعقد الآمال عليهم في تقريب وجهات النظر والضغط باتجاه عقد المؤتمر وحلّ الخلاف، لا أن يكونوا جزءاً منه كما الحال اليوم. مصادر من داخل الحزب قالت إن المشكلة تكمن في مدى «حرص» القادة، أو قناعتهم بــ«الحفاظ على مسيرة الحزب وعدم التفريط بها»، خاصة في قضية صعود جيل شباب يرثهم وينهض بالحزب مجدّداً. هذا «الحرص» على التمسك بالمكتسبات، وفق المصادر، يعوق «اتخاذ قرار حازم وسريع... يريدون مؤتمراً يفضي إلى نتائج إيجابية ويبعد الحزب عن أي انشقاق»، لكنه (الحرص) في الوقت عينه بات سبباً في خلق الكثير من «أجواء التأخر في عقد المؤتمر».



«الدعوة» بين النجف وطهران... وبيروت
يرى عددٌ من «الدعاة» التاريخيين أن النجف (مقر الحوزة الدينية) وطهران وبيروت تدعم الحزب في أيّ حراكٍ من شأنه النهوض به مجدّداً، لكن وفق منظورهم الخاص. وفي أحاديثهم إلى «الأخبار»، يؤكّدون أنّ «الكل يدعم مسيرة هذا الحزب لأنهم يعرفون أنه يمثّل عمق العمل السياسي لعراق ما بعد صدام»، وعليه إن «فقدان الحزب وإهماله يعني إيجاد فراغ كبير جداً في قلب المشهد السياسي، ولا يستطيع أيّ كيان آخر ملئه».
تذهب المصادر إلى أن تلك العواصم تشجّع على «عقد المؤتمر لأنّ من شأنه تعزيز مكانة الحزب ووحدته... فكلها تساهم مباشرة أو غير مباشرة في تعزيز هذا النوع من التلاقي لتوحيد الموقف والرؤى، وإزالة أي شكل من التنافر والخلاف الموجود». وتختم بأن «المرجعية الدينية العليا (آية الله علي السيستاني) وإيران وحزب الله، أو الوجودات السياسية الأخرى كحركة أمل حتى، تعمل على تعضيد هذا المسار، وتعزيز اتجاه النهوض من جديد».
(الأخبار)