ثلاثة أيام فقط، بين الـ 10 من حزيران/ يونيو 2014 والـ 13 منه، هي التي فصلت سقوط مدينة الموصل، عاصمة الشمال، بيد تنظيم «داعش»، عن التطور الذي أطلق صافرة البدء لانتظام عدد كبير من الشباب في إطار مسلّح، ستكون له لاحقاً اليد الطولى في هزم التنظيم، ومنعه من السيطرة على بلاد الرافدين. دعوة «المرجعية الدينية العليا» (آية الله علي السيستاني)، العراقيين، إلى «الجهاد الدفاعي» صوناً لـ«الوطن والمقدسات والحرمات»، كان لها الدور الأبرز في دفع الآلاف نحو معسكرات التدريب، التي ولدت من رحمها لاحقاً «هيئة الحشد الشعبي». هذه الهيئة، التي باتت لها كتلة ممثلة داخل البرلمان العراقي، تبدو اليوم محلّ تساؤلات، في ظلّ المعضلات الكبيرة التي يمور بها الواقع العراقي، والتي لا يظهر أن ثمة أحداً محصّن إزاءها.لعلّ ذلك هو ما أرادت المرجعية التنبيه إليه، في خطبتها أمس بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة لتأسيس «الحشد»، إذ أشارت إلى أن «الخلاف دبّ مجدّداً في صفوف الأطراف الماسكة لزمام الأمور... بين قوى تريد الحفاظ على مواقعها السابقة، وقوى أخرى برزت خلال الحرب مع داعش تسعى إلى تكريس حضورها والحصول على مكتسبات معينة»، في تلميح إلى الذراع السياسية لـ«الحشد». وأضافت «المرجعية»، بلهجة حادّة، إن «التكالب على المناصب والمواقع لا يزال قائماً، والمحاصصة المقيتة تمنع من استكمال التشكيلة الوزارية... عدا عن استشراء الفساد في مؤسسات الدولة»، لافتة إلى أن القوى السياسية جميعها لم تتخذ «خطوات عملية واضحة للحدّ من الفساد ومحاسبة المتورطين فيه». بناءً على ما تقدم، دقّت «المرجعية» ناقوس الخطر بعد أقلّ من عامين على «الانتصار العظيم»، محذرة من أن «المشهد الحالي يمنح فلول داعش فرصة مناسبة للقيام ببعض الاعتداءات المخلّة بالأمن والاستقرار... وربما يوجد حواضن لهم لدى بعض الناقمين والمتذمرين».
تقرّر أن يكون العام الجاري عام «الانضباط» والالتزام بالقوانين المرعية الإجراء


وتأتي هذه التحذيرات بعدما وُضعت آمال على «المجاهدين» في رفع لواء الإصلاح، على الضفة المقابلة لمعظم القوى السياسية الضالعة في الفساد. لكن الاعتبارات السياسية، التي تجلّت بوضوح في أن ممثلي «الحشد» البرلمانيين ينضوون تحت لواء تحالف واحد مع أبرز معارضيهم، ومقتضيات لعبة المحاصصة، والخلافات التنظيمية، جميعها عوامل تعوّق أي إمكانية أو قابلية للإصلاح. قوة «الحشد»، التي يربو عديدها على 130 ألفاً، وإن كانت تحت مظلّة جامعة هي «فتوى المرجعية»، إلا أن خلافات في الاستراتيجيا والتكتيك تعتريها. يرى مصدر قيادي رفيع في «الحشد» أن المشكلة تكمن في بعض القيادات الرافضة لأي نقد أو عمل مشترك، فهي تعتقد أن «تشخيصها هو الأدق، ومعالجتها هي الأصح»، عدا عن «حديث المنافع، والاستفادة من المواقع في المؤسسة الجديدة، والانتقال من حالٍ إلى آخر»، وفي هذا الجانب تحديداً تدور الكثير من الشبهات.
تضاف إلى ما تقدم خلافات متصلة بالولاء والانتماء، انعكست، إبان المعارك ضد «داعش»، تباينات في رسم الخطط العسكرية وفي أساليب إدارة المؤسسة، وصعّبت مهمة حصر هذا الجمع الشبابي الهائل ضمن نسق واحد، عقيدةً وعملاً، ومن ثم العمل وفق مبدأ تحويل «التهديد إلى فرصة». كان ثمة تمايز واضح بين «حشد الولاية» (مقلّدو «حوزة قم»)، و«حشد المرجعية» (مقلّدو «حوزة النجف»)، و«الحشد العشائري»، و«سرايا السلام» (التابعة لـ«التيار الصدري») التي فضّلت الاحتفاظ بخصوصيتها، مع مراعاة الانتماء إلى المؤسسة العامة لـ«الحشد». وعلى رغم أن هذه الاختلافات تم حصرها حالياً في إطار ضيّق، إلا أنها لا تزال قائمة في بعض وجوهها. مع ذلك، لا يزال العمل قائماً على تطوير المؤسسة وهيكلتها، ومن أجل هذا تقرّر أن يكون العام الجاري عام «الانضباط» والالتزام بالقوانين المرعية الإجراء.