لعلّ من أبرز الصفات التي تميّز «التيّار الصدري»، الارتباط القوي بين زعيمه وقاعدته الشعبية. وهو ارتباط مثّل مفاجأة لـ«عراقيّي الخارج» (المعارضون العائدون إلى البلاد بعد الاحتلال الأميركي)، خصوصاً أن «الصدريين» كانوا يعيشون فترات عصيبة كلّما أعلن الصدر الابتعاد عن الضوء. هذا الاتصال القوي جعل التحولات التي طرأت على شخصية مقتدى الصدر منذ عام 2003 حتى عام 2018، تنعكس تلقائياً على القاعدة الجماهيرية لـ«التيار»، التي بدا أنها لا تعصي له أمراً ولا ترفض له قولاً، وإن تحالَف مع مَن تكره (التحالف بين «سائرون» المدعوم من الصدر و«الفتح» بزعامة الأمين العام لـ«منظمة بدر» هادي العامري، عقب الانتخابات الأخيرة). طاعةٌ مطلقة من شأنها أن تفسّر التحوّلات السريعة التي يشهدها «التيار»؛ فبمجرد أن يغيّر «الزعيم الشاب» رأيه، يتغيّر كل شيء.ثمة فوارق كثيرة بين خطابات الصدر الأولى منتصف عام 2003، وخطاباته في عام 2013 وما بعده. في تسجيلٍ مصور يعود إلى 2003 يوبّخ الصدر لاعب كرة القدم، وفي عام 2015 ينشر صورته مع «تورتة» عيد ميلاده، أما في عام 2016، فينهى عن التعرض للمثليين جنسياً في موقف يندر أن يصدر عن زعيم ديني، ما دفع منظمة «هيومن رايتس ووتش» إلى الإشادة به. أدرك الصدر، بعد عام 2011 (وتحديداً بعد «الربيع العربي»)، ضرورة التكيف، على قاعدة «من لا يتكيف يندثر». يراقب الزعيم الشاب ما يدور على شبكات التواصل الاجتماعي النشطة في العراق، متأثراً بها ومؤثراً فيها، وفق ما تعكسه صفحة «صالح محمد العراقي» على موقع «فيسبوك»، بوصفها ناطقاً (غير رسمي) باسمه.
ثمة فوارق كثيرة بين خطابات الصدر الأولى منتصف عام 2003، وخطاباته في عام 2013 وما بعده


طوال الأعوام الستة الماضية، دعم الصدر تظاهرات التيار المدني، التي انطلقت في العاصمة بغداد. إثر ذلك، انقسم «المدنيون» على أنفسهم، بين مرحب بدعمه تحت عنوان «المواطنة» التي من مقتضياتها انخراط العلماني و«الصدري» في الدولة معاً، وبين رافض لها ولوجود «عمامة» في حراك مدني شبابي، وعادّ إياها من باب «ركوب الموجة»، على عادة الأحزاب الإسلامية.
أبرز دوافع الصدر في الوقوف إلى جانب «المدنيين» كان سعيه إلى تجديد خطابه بما يتناسب مع المرحلة، انطلاقاً من اعتبارين: أولهما أن صراعه مع «الإسلاميين»، وتحديداً «حزب الدعوة الإسلامية» بزعامة نوري المالكي، أوجب البحث عن خيارات أخرى خارج «البيت الشيعي»، وثانيهما أن إرادته تعزيز حضوره السياسي بعد انتهاء «زمن المقاومة» تطلّبت منه السير في ركب الشعارات التي بدا له أن الشارع العراقي ينحو باتجاهها. من هنا، تحول الحديث من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عام 2004، إلى حديث عن الحقوق والتظاهرات والدولة المدنية عام 2014، الأمر الذي وضعه على أعتاب مرحلة انتقالية جديدة، من الفوضى إلى التنظيم، ومن الملاحقة والسجون إلى الكتلة الأكبر في البرلمان.
إلى اليوم، يتوارث العراقيون مقولة المرجع الديني محسن الحكيم: «الشيوعية كفر وإلحاد». أقربَ إلى المستحيل، كان دخول «التيار الصدري» في قائمة واحدة مع «الشيوعيين». وأقرب إلى المستحيل أيضاً، كان حصول «التيار» المُلاحَق على «الكتلة الأكبر» في ظلّ قانون انتخابي يرفضه الصدر. لكن الزعيم الشاب فعلها، إذ خاض انتخابات 2018 متحالفاً مع «الشيوعيين»، نائلاً استحسان كثيرين، ورفض آخرين في المقابل. أما النتيجة، فقد أظهرت أن تصدّر «التيار» التظاهرات التي سبقت الانتخابات عاد عليه بمنفعة كبرى؛ إذ إنه تمكن عبر ذلك وما رافقه من «عرقنة» للخطاب من توسيع قاعدته الشعبية، لتشمل مؤيدين من خارج «الكتلة الشيعية». يضاف إلى ما تقدم، أن الفرصة التي أجاد اقتناصها «الصدريون»، هي غياب الدعوات الجدية إلى المشاركة في الانتخابات، وترك «المرجعية العليا» الأمر لخيارات المواطنين، في مقابل تشديد الصدر على ضرورة الإقبال على التصويت. هكذا، في ظلّ عزوف شرائح كبرى عن المشاركة، نالت قائمته «سائرون» الرقم 1.