بغداد | العراقيون إلى الشارع مجدّداً. الموعد الذي ضُرب مسبقاً في الـ 25 من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، حمل الكثير من الأحداث مع ساعاته الأولى. خطابٌ لرئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، ليل الخميس ــــ الجمعة، بالتزامن مع محاولة المتظاهرين الدخول إلى «المنطقة الخضراء» وسط العاصمة بغداد والاستقرار فيها. محاولاتٌ جوبهت بقرار حاسم من قِبَل الأجهزة الأمنية، يقضي بـ«تحييد الخضراء عن التظاهرات»، وفق مصدر أمني مطلع.عبد المهدي استبق التظاهرات بتأكيد «حق الجميع في التعبير عن رأيه وموقفه بطرق سلمية من دون شغب»، مجدداً تمسّكه بحكومته «ما لم يُقدّم أيّ بديلٍ دستوري»، حتى «لا يُترك العراق للفوضى»، إلا أنه ــــ في الوقت نفسه ــــ وصف دعوات «إسقاط الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة بأنها حق شرعي، وسنعمل عليه من دون ضغوط». وانتقد، في كلمته التي بُثّت فجر أمس، واقع الدولة العراقية ومؤسساتها، متّهماً من سبقه بـ«تقويض الدولة اقتصادياً وأمنياً»، مهاجماً كلّاً من سلفَيه حيدر العبادي ونوري المالكي، إذ تساءل عن «غياب لجان التحقيق في أحداث سبايكر وسقوط الموصل والأنبار»، عقب الهجوم الذي شنّه «حزب الدعوة الإسلامية» ــــ بجناحيه ــــ على عبد المهدي، مع إعلان نتائج التحقيقات الخاصة بضحايا التظاهرات السابقة. وتعهد رئيس الوزراء، في محاولة منه لتنفيس احتقان الشارع، بـ«محاربة الفساد، وتنظيم مجلس الخدمة ومجلس الإعمار، ودعم تشكيل مجلس القضاء الأعلى لملاحقة الفاسدين، وتقليص رواتب المسؤولين إلى النصف»، فضلاً عن «إجراء تعديلات وزارية بعيدة عن المحاصصة، إلى جانب العمل على منع وجود أي سلاح خارج إطار الدولة». وفيما رفض أيّ وجود لأيّ قوة أجنبية من دون موافقة الحكومة العراقية، كشف عن مساعٍ لعقد «مؤتمر إقليمي لإبعاد العراق عن الصراعات في المنطقة»، إلى جانب «العمل على تعديل قانون الانتخابات، وإعادة تشكيل المفوضية العليا للانتخابات»، في قرار تلاقى فيه مع دعوة «المرجعية الدينية العليا» (آية الله علي السيستاني)، أمس، إلى «سنّ قانون منصف للانتخابات يعيد ثقة المواطنين بالعملية الانتخابية».
وفي خطبة الجمعة، شدّدت «المرجعية» على «مكافحة الفساد، واتّباع آليات واضحة وصارمة لملاحقة الفاسدين، واسترجاع أموال الشعب منهم، ورعاية العدالة الاجتماعية...»، إلى جانب «اعتماد ضوابط عادلة في التوظيف الحكومي، بعيداً عن المحاصصة والمحسوبيات، واتخاذ إجراءات مشددة لحصر السلاح بيد الدولة، والوقوف بحزم أمام التدخلات الخارجية في شؤون البلد». كما دعت المتظاهرين والقوات الأمنية ــــ على حدٍّ سواء ــــ إلى «الالتزام التام بسلمية التظاهرات وعدم السماح بانجرارها إلى استخدام العنف وأعمال الشغب والتخريب»، مُسجّلة بذلك موقفاً وسطياً بين الطرفين، مردّه «الحرص البالغ على مستقبل البلد الذي يعاني من تعقيدات كثيرة يخشى معها من أن ينزلق بالعنف والعنف المقابل إلى الفوضى والخراب»، على اعتبار أن هذا «يفسح المجال لمزيد من التدخل الخارجي، وليصبح العراق ساحة لتصفية الحسابات بين بعض القوى الدولية والإقليمية».
عبد المهدي متمسّك بحكومته «ما لم يُقدّم أيّ بديلٍ دستوري»، حتى «لا يُترَك العراق للفوضى»


وعلى رغم مناشدة «المرجعية» وعبد المهدي الجميع الحفاظ على سلمية التظاهرات، أعلنت «المفوضية العليا لحقوق الإنسان»، أمس، مقتل 24 متظاهراً، وإصابة 1779 آخرين، في بغداد وعدد من المحافظات الجنوبية، التي شهدت مواجهات أقرب إلى أن تكون «تصفية حسابات» بين مسلحي «التيار الصدري» (بزعامة مقتدى الصدر) ومسلحي «حركة عصائب أهل الحق» (بزعامة قيس الخزعلي)، وسط حديث عن إحراق «الصدريين» و«الصرخيين» عدداً من مقار الفصائل والأحزاب، في حملة وُصفت بـ«الممنهجة» و«تستهدف إشعال اقتتال شيعي ــــ شيعي». ووفق مصدر أمني، تحدث إلى «الأخبار»، فإن «التهديد الأمني بالفوضى لا يزال قائماً، وتوجد جهات تدفع بذلك وسط غياب الحراك السياسي الواضح لاحتواء تداعيات الأزمة». وأكد المصدر «ثبوت حالات انتهاك لسلمية التظاهرات وحق التعبير، تمثلت بالتهديد المباشر ورمي عناصر الأمن بالحجارة وقنابل المولوتوف واشتباك بالأيدي وطعن بالسكاكين»، إضافة إلى رفع «هتافات تشكك بولاء الأجهزة وجنسيات منتسبيها، ووصفهم بالمجندين الإيرانيين»، ورفع بعض المتظاهرين «شعارات ضد إيران، وحرق علمها، والتركيز عليها دون غيرها من الدول». كذلك، لم تسلم «المرجعية» من هتافات البعض، حيث كان لافتاً «وجود حملة منظّمة استهدفت المرجعية بعد خطبتها»، بحسب مصادر ميدانية تحدثت إلى «الأخبار».



من قَنَص المتظاهرين؟
يظلّ السؤال عن الجهة التي قنصت المتظاهرين في تظاهرات مطلع الشهر الجاري محلّ أخذ وردّ. تقرير لجنة التحقيق في أحداث التظاهرات لم يحمّل أي جهة مسؤولية القنص، علماً بأن البعض يتهم فصائل «الحشد الشعبي» بالقيام بذلك، فيما مصادر الأخير تنفي هذه التهمة نفياً قاطعاً، على اعتبار أن من قام بهذا الأمر «يعمل وفق أجندات خارجية»، وفق ما عبّر زعيم «حركة عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، الذي قال إن «القناصين هم من العاملين في الشركات الأمنية الأجنبية».
لكن مصادر مطلعة، تحدثت إلى «الأخبار»، كشفت أن رئيس «جهاز مكافحة الإرهاب» في «إقليم كردستان»، لاهور شيخ جنكي الطالباني، الذي تربطه علاقة وثيقة بإسرائيل، أدار بشكل مباشر عمليات القنص مقابل «محطة الكيلاني»، حيث نشر مجموعة من القناصين في مبنى مجاور للمحطة، هو أشبه بهيكل تابع لقوات «الرد السريع». وبحسب المعلومات، فإن سيارتين خرجتا من «اللواء الرئاسي»، بأمر مباشر من الطالباني، بعدما أُلبس القناصون ثياب «الرد السريع»، وزُوّدوا برشاشات «M16». وبلغت نسبة من قُنص هناك من إجمالي عدد الضحايا 70 بالمئة، في ظلّ اتهام لـ«الرد السريع» بالوقوف وراء هذه العمليات، وتبرئة «اللواء الرئاسي»، الذي تُطرح الكثير من علامات الاستفهام حول أدائه. مفارقة تضاف إليها مفارقات أخرى في التقرير من قبيل توجيه الاتهام إلى آمر الفوج الثاني في «لواء رئاسة الجمهورية»، العقيد نوزاد عثمان خدر، علماً بأن التظاهرات لم تصل إلى منطقة الكرادة أو الجادرية حيث تنتشر تلك القوة. ومن هنا، تعتبر مصادر أمنية، في حديثها إلى «الأخبار»، أن «خطأ التقرير تحميل أطرافٍ المسؤولية دون أخرى، على رغم مهنية اللجنة» التي أصدرته.
من جهتها، اعتبرت «المرجعية الدينية العليا» (آية الله علي السيستاني)، أمس، أن «التقرير المنشور عن نتائج التحقيق في ما شهدته التظاهرات السابقة من إراقة للدماء وتخريب الممتلكات لم يحقق الهدف المترقّب منه، ولم يكشف عن جميع الحقائق والوقائع بصورة واضحة للرأي العام»، داعيةً إلى «تشكيل هيئة قضائية مستقلة لمتابعة هذا الموضوع وإعلام الجمهور بنتائج تحقيقها بكل مهنية وشفافية».