بغداد | تسابق القوى السياسية الزمن لتحريك مياه أزمة التظاهرات. سلسلة الإصلاحات التي أطلقتها الحكومة والبرلمان لم تَرُق للمتظاهرين الذين يواصلون احتجاجاتهم منذ الأول من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ليأتي الدور - هذه المرة - على إصلاح النظام الانتخابي في مغازلة الشباب الناقم على السلطة، وإغرائه بفرصة أكبر في التمثيل في الدورة البرلمانية المقبلة. فبعد مرور نحو 10 أيام على خطاب رئيس الجمهورية برهم صالح، والمتعلّق بتشريع قانون جديد للانتخابات، لا تكاد الاجتماعات السياسية للكتل تنقطع حتى تتوصل إلى اتفاق يرضي الكتل الصغيرة قبل الكبيرة، ويدفع باتجاه تجديد الدماء السياسية في الانتخابات. وعلى الرغم من أن هذا التحرك يبدو وكأنه يمسّ جوهر النظام السياسي القائم، لكنه لا يعدو في الواقع كونه محاولة لربح الوقت وامتصاص غضب الشارع. ويقول النائب عن «تحالف الفتح»، عامر الفايز، إن البرلمان «لم يتسلّم بعد القانون الجديد للانتخابات» الذي أعلن عنه صالح، مؤكّداً في حديث إلى «الأخبار» أن «الكتل السياسية تواصل اجتماعاتها للخروج بصيغة ترضي الأطراف كافة».
ما بعد «سانت ليغو»
وعلمت «الأخبار» أن هناك 3 سيناريوهات لصيغة القانون الانتخابي الجديد، بعد شبه الإجماع على مغادرة «سانت ليغو»، إلا أن ثمة مخاوف من رفض تلك السيناريوهات والعودة إلى النظام الذي اعتُمد في الانتخابات الأخيرة (أيار/ مايو 2018)، أي «القاسم الانتخابي 1.7» (سانت ليغو). ويقول مصدر برلماني في اللجنة القانونية النيابية، لـ«الأخبار»، إن بعض القوى السياسية قدّمت مقترحين بديلين عن «سانت ليغو»: الأول يتعلّق باعتماد «نظام الدوائر الانتخابية» أو ما يعرف «بنظام الانتخاب الفردي»، الذي يقسم إقليم الدولة إلي دوائر انتخابية صغيرة بحيث يتطابق عدد الدوائر مع عدد المقاعد في البرلمان، ويقوم الناخبون في دائرة انتخابية معيّنة بانتخاب نائب واحد في البرلمان. أما الخيار الثاني، فيتعلّق بـ«نظام النسب المئوية»، والذي ستحصل فيه القوائم الانتخابية على عدد المقاعد بحسب الأصوات التي حصلت عليها بالانتخابات، فمثلاً إذا فازت القائمة بـ«10%» من أصوات الاقتراع فإنها ستحصل على 10 % من مقاعد البرلمان.
هناك 3 سيناريوهات لصيغة القانون الانتخابي الجديد


ثمة صيغة ثالثة أيضاً في المقترحات، تضمّنت الجمع بين النظامين، «الدوائر الانتخابية» و«النسب المئوية». وبحسب مصدر في رئاسة الجمهورية تحدث إلى «الأخبار»، فإن الصيغة الثالثة من المقترحات البديلة لـ«سانت ليغو» ستكون مُرضية أكثر للكتل السياسية.

مسودة على مقاسات الأحزاب
تكفّل المستشار القانوني لرئيس الجمهوري، أمير الكناني، بكتابة مشروع قانون انتخابي، يتم بموجبه إعادة تشكيل المفوضية من السلك القضائي وخبراء مستقلين، غير أن تطبيق هذه المادة يضرب عرض الحائط بالدستور، الذي يقرّ مبدأ الفصل بين السلطات. وعلمت «الأخبار»، من مصادر في رئاسة الجمهورية، أن مسودة صالح اعتمدت نظام الدوائر الانتخابية على «مستوى القضاء»، وهذا سيخلق مشكلة فنية في تطبيقه لأنه بحاجة إلى تعداد سكاني، إذ أن أكثر من 100 قضاء في العراق لا يصل عدد سكانها إلى 100 ألف نسمة. كذلك، يتضمن القانون تقليص عديد مجلس النواب 30 %، بحيث يمثل كل نائب 200 ألف ناخب، ليتقلّص العدد الكلي من 329 نائباً إلى 222 نائباً مع الأقليات وكوتا النساء. وهذه الفقرة تتعارض مع مواد الدستور العراقي، ما يجعل تطبيق هذا القانون أو إقراره في البرلمان أمراً شبه مستحيل ما لم يُعدَّل الدستور. وتنص المادة الـ49 من الدستور العراقي على ما يلي: «يتكوّن مجلس النواب من عدد من الأعضاء بنسبة مقعد واحد لكل 100 ألف نسمة... ويتم انتخابهم بطريق الاقتراع العام السري المباشر، ويُراعى تمثيل سائر مكوّنات الشعب».
سياسياً، تحذر أطراف نيابية من تمرير قانون الانتخابات المُعَدّ في رئاسة الجمهورية، واصفة إياه بأنه «قنبلة موقوتة»، لأن نظام «الدوائر الانتخابية على مستوى القضاء» يعطي هيمنة كردية «كاملة» على الأراضي المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، بالإضافة إلى هيمنة لـ«الصدريين» كون مواد القانون تعمل على تفتيت القوائم والكتل الكبيرة. وخلاصة القول، حسبما تقول مصادر سياسية لـ«الأخبار»، هي أن القانون عبارة عن «خلطة صدرية – كردية» تهدف إلى تقاسم أصوات الشارع في انتخابات البرلمان الخامس.
وفيما تواصل الكتل السياسية إعداد مقترحاتها المتعلقة بالاتخابات، تقدّمت أطراف عدّة بطلب إلى رئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، مذيّل بـ70 توقيعاً، لخفض عديد مجلس النواب، وهذا ما يتطلب تعديلاً دستورياً. ووفقاً لمصدر نيابي تحدث إلى «الأخبار»، فإن المقترح ينص على أن يُمثِّل كلّ 200 – 250 ألف ناخب نائب واحد، الأمر الذي لا يزال قيد المناقشة، لكن بعض الكتل السياسية قد تستخدم حق «الفيتو» في رفض ذلك المقترح. وكان رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، أشار، في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، إلى أن الحكومة قدّمت قانون انتخابات يُنهي احتكار نتائج الاقتراع من قِبَل الكتل الكبيرة، ويعطي فرصة أكبر للمرشحين المستقلين، لكنه قوبل بالرفض من قِبَل البرلمان.