بغداد | ألقت «حرب الأسعار» في عالم النفط، وتحديداً بين روسيا والسعودية، بظلالها على الاقتصاد العراقي الهزيل، واضعة إيّاه في موقف لا يُحسد عليه، فبينما لم تُحلّ عقد المشهد السياسي، كانت الحكومة الاتحاديّة المستقيلة، برئاسة عادل عبد المهدي، قد احتسبت موازنتها على معدّل 56 دولاراً للبرميل الواحد، قبل أن تؤدي «حرب الأسعار» إلى تخفيضه ضمن نطاق 30 ـــ 33 دولاراً. هذا الواقع المستجد لا يُبشّر بالخير إطلاقاً، فلو بقيت أسعار النفط على هذه الحال (حتى أواخر العام الجاري)، ومن دون انخفاض آخر، ربما تعجز الدولة عن تأمين رواتب القطاع العام، خاصّة أنها تحتاج إلى أكثر من 40 مليار دولار لذلك. والحكومة الأخيرة كسابقاتها، لم تتمكّن من خفض النفقات الجارية ورفع النفقات الاستثماريّة، ولم تنجح في تنويع إيرادت الموازنة المعتمدة أساساً على المداخيل النفطية، ومن ذلك فرض الضرائب الجمركية أو تنشيط قطاعات أخرى كالسياحة والزراعة والصناعة.في «حرب النفط» لا شك في أن بغداد تقف في المنتصف، وجلّ ما يمكنه فعلها «الوساطة بين أطراف الأزمة». وتقول وزارة النفط العراقية إنّها «تتعامل مع حرب الأسعار بواقعية»، وتنحو إلى «تقريب وجهات النظر» بين الأطراف. هنا يؤكد المتحدث باسم الوزارة، عاصم جهاد، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الأزمة في بدايتها، والعراق ملتزمٌ قرار خفض الإنتاج الأخير، الذي ينتهي آخر الشهر الجاري»، مشيراً إلى أن «الجهات المعنية تجري اتصالات مع دول أوبك لاحتواء الأزمة وإعادة التوازن إلى السوق العالميّة»، لكن جهاد يقر بأن «جهود العراق الأخيرة... لم تنجح، وقد فوجئنا بإعلان الرياض زيادة الإنتاج بالتوازي مع تخفيض الأسعار».
لم تستطع بغداد سوى لعب دور الوساطة بين دول «أوبك»


بالنسبة إلى التأثيرات الاقتصادية، يشرح عضو «اللجنة المالية البرلمانيّة» أحمد حما رشيد، أن «النفقات الجارية في موازنة 2020 تُقدر بـ162 تريليون دينار (135 مليار دولار تقريباً)، مع عجز مُقدّر بـ48 ترليون دينار (نحو 40 مليار دولار)»، لافتاً إلى أن لجنته «وجّهت نداءات سابقة بضرورة تقليص النفقات الجارية، لكن وزارة المالية لم توفّق في إيجاد حلّ». ويضيف رشيد: «لو استقرّت أسعار النفط على 30 دولاراً للبرميل، سيكون العراق قادراً على دفع رواتب موظفي القطاع العام، لكنه سيلجأ إلى تأجيل تسديد نفقات أخرى كالديون والقروض وجولات التراخيص... البلد مدين بحوالى 105 مليارات دولار هي: 41 للدول الخليجية (بلا فائدة)، 64 ديونٌ خارجية وداخلية مع نسب فائدة متفاوتة)». بجانب ذلك على العراق سنوياً دفع 16 تريليون دينار (14 مليار دولار تقريباً) كفوائد وأقساط «عما في ذمّته من ديون. وفي ظل الأسعار المتداولة، «العراق في منطقة الخطر، وعليه أن يجد بدائل أخرى كالتحكم بأسعار صرف الدولار، أو فرض رسوم جمركية»، يقول رشيد.
بالتوازي، انتقدت «لجنة الاقتصاد البرلمانيّة» غياب التحرك «دبلوماسيّاً» إزاء «حرب الأسعار»، واصفةً أداء «شركة تسويق النفط العراقية» (سومو) ووزارة الخارجية «دون المستوى المطلوب». لكن المتحدث الرسمي باسم الخارجية، أحمد الصحاف، ردّ بالقول لـ«الأخبار»، إن «الملف لا يعنينا بالدرجة الأساسية (الخارجية)... القضية نفطيّة واقتصاديّة». وتعقيباً على المشهد، يصف الخبير النفطي ضرغام محمد المواجهة بين الرياض وموسكو بأنّها «ليٌّ للأذرع ليس إلا»، خاصة أنّ الدول التي تعتمد على الإيرادات النفطيّة، كالعراق والكويت والبحرين، هي «أكثر المتضررين... الأزمة قد تستمر من شهرين إلى ثلاثة، ولا سبيل لحلّها إلّا بتجديد الاتفاق على خفض الإنتاج». ويضيف محمد: «العراق مع تجديد خفض الإنتاج من أجل السيطرة على السوق العالمية، وإيجاد سعر متوازن يحفظ حقوق المنتج والمستورد».