«... كاكا مصطفى» بالكردية، وبالعربية «رفيق مصطفى»، هكذا وصف رئيس الجمهورية العراقية، برهم صالح، رئيسَ الوزراء المكلّف مصطفى الكاظمي. صداقةٌ تتعدى الإطار «الشخصي»؛ فعلاقة الكاظمي بـ«إقليم كردستان» تعود إلى الثمانينيّات حين كان «ثوريّاً إسلاميّاً» غادر الجنوب إلى الشمال خوفاً من بطش نظام صدام حسين. من ثَمّ، توجّه إلى القارة الأوروبيّة متنقّلاً بين بلدانها لاجئاً سياسيّاً، لكنه فرض مع الأيّام حضوره كواحد من رجال المعارضة في الخارج، ليعود بعد احتلال القوّات الأميركيّة العاصمة بغداد في 9 نيسان/أبريل 2003.لم يكن في حسبان الصحافي، الذي اختار شهرة «الكاظمي» منذ كان معارضاً، أن يتولّى يوماً منصب رئيس الوزراء في «عراق ما بعد صدام». التحوّل الكبير في مساره المهني كان عام 2016، عندما شغل منصب رئيس جهاز المخابرات. فطوال السنوات الأربع الماضية عمل على بناء شبكة واسعة من العلاقات مع أقطاب «متناحرة» في الميدان العراقي، معزّزاً بذلك موقعه ومكانته على حدّ سواء، ليكُلّف أمس بتأليف حكومة انتقاليّة لإجراء انتخابات تشريعيّة في غضون عام واحد على أبعد تقدير.
بدءاً من اليوم، يخوض الكاظمي سباق التأليف ضمن المهلة الدستوريّة المحدّدة بـ30 يوماً، وكفّة نجاحه في مدّة «قياسيّة» مرجّحةٌ على حساب الفشل. أنهى الرجل مبكراً صياغة «منهاجه الوزاري»، وهو في صدد تأليف حكومة تحظى بدعم الأطراف المحليّين، وبمشاركة وجوه تعدّ تكنوقراطيّة شابّة. حكومة الكاظمي المرتقبة، الممنوحة غطاءً إقليميّاً ودوليّاً، وتحديداً من إيران والولايات المتحدة، يصفها البعض بأنها جزء من مشهد «تفاهم غير مباشر» بين القوّتين. تفاهمٌ يطاول المنطقة من أفغانستان إلى شواطئ المتوسّط والسواحل اليمنيّة.
التهدئة تلوح في الأفق، لا المواجهة، بإجماع أكثر من مصدر رفيع. المشهد العراقي يترجم توجّهاً إيرانيّاً ـــ أميركيّاً جديداً، لكون بلاد الرافدين ميدان الاشتباك الأوّل بين الطرفين. والكاظمي، وفق المعلومات، أبرز مهامه ضبط هذا الاشتباك في هذه اللحظة المفصليّة التي تمرّ بها المنطقة والعالم. ففي «زمن كورونا»، لا أحد يسعى إلى «المواجهة»، بل المساعي تصبُّ في صياغة علاقات جديدة في المنطقة، ورسم حدودها. بعض القوى المحليّة أدرك ذلك مبكراً، وسعى إلى ترويج الكاظمي كخيار لا يستفزّ طهران، ويطمئن واشنطن في الوقت عينه؛ «العراق محكومٌ بالتدخلات الأجنبيّة، وانحيازه المطلق إلى معسكر دون آخر لا ينفع»، أنصار هذه النظريّة فاتحوا حلفاء طهران باقتناعاتهم. لكن الأخيرة رفضت الدخول في «بورصة» الأسماء، محمّلة الأحزاب والقوى مسؤوليّة خياراتها، من دون أن تضع «فيتو» على شخص بعينه (باستثناء عدنان الزرفي لأسباب كثيرة).
خيار الكاظمي أقرب إلى أن يكون تسوويّاً وصفقة رابحة بين القوى المحليّة والإقليميّة والدوليّة جميعها. فالمرحلة الراهنة، وإن حُدّدت بالأشهر، تبقى مليئة بالألغام القديمة والمزروعة حديثاً على أيدي مختلف تلك القوى. وإن كانت التهدئة أمراً لا مناص منه، فإن الهوامش تضيق وتكبر وفق المستجدات، خاصّة أن رمال الرافدين سريعة التحرّك، وكلفة «الصمود» أمام المتغيّرات قاسية. مسار الكاظمي سياسيّاً في ذروته، وكلفة فشله من دون الاعتبار من دروس سلفه ستكون أقسى من نهايتهم «الجدليّة».