التنظيم مشغولٌ في تطوير عمليّاته الهجينة هناك نحو 8000 عنصر غير ناشط في ولاية العراق

مجدّداً، عاد تنظيم «داعش» إلى واجهة المشهد الأمني العراقي. خلال الأسابيع القليلة الماضية، برز نشاطه في المحافظات الشماليّة تحديداً. في المقابل، أعلن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، غير مرّة، عن «قرب» إطلاق عمليات «القضاء» على فلول أكثر التنظيمات تطرّفاً في العالم. هذا الحديث، مقرون بتحذيرات ومخاوف من «ولادة» جديدة للتنظيم، الذي اضطرّ إلى التخلّي عن هيكليّته الخاصّة في «أرض الخلافة»، بعد نهاية سيطرته العسكرية عام 2019، وصياغة هيكل تنظيمي جديد فيه «الكثير من الاختصار والمرونة واللامركزية»، كما يعبّر الخبير في هذه الجماعات والتنظيمات هشام الهاشمي.

هل هناك استراتيجيّة معيّنة، يعتمدها تنظيم «داعش»، في المرحلة الراهنة؟
أخيراً، بات تنظيم «داعش» يعتمد على المناورة الأمنيّة والتمويل الذاتي، باحثاً في الوقت عينه عن الموارد البشرية والبيئة الحاضنة التي يتكيّف معها الهيكل التنظيمي الجديد، المنسجم مع تحوّلات تكتيكاته القتاليّة، أي من الهجمات العسكرية إلى الهجمات الأمنيّة؛ منهجيةٌ تعتمد على الاستنزاف والإنهاك المجهد، وهذا يشمل ممارسة ثنائية الانتقام والمصالحة مع المجتمعات ذات الأغلبية السكّانية السُنّية.
هنا، تكشف الهيكلية عن وجود استراتيجية واضحة أو قابلة للتطبيق لدى التنظيم، تمكّنه من العودة الفعليّة والسيطرة على مناطق جغرافية معيّنة، لكنه ينتظر الفوضى وانتهاء مهام «التحالف الدولي لمكافحة إرهاب داعش» في العراق وسوريا. لكن، وفي الوقت عينه، ما من مجال للشك بأن التنظيم ما زال قادراً على شن عمليات تعرّضية ونوعيّة يمتلك فيها قدرة المبادرة الزمانية والمكانية، في جبهات متعدّدة، وخاصّة القريبة من المناطق المتنازع عليها والحدودية والمفتوحة، والتي سبق أن سيطر عليها أو لا يزال يملك فيها خلايا أمنيّة.

كيف انعكست التغييرات، التي طرأت على بنية التنظيم، على أدائه؟
إن من شأن الهيكل التنظيمي الجديد أن يمدّ «داعش» بالقدرة على تطوير أساليب عملياته الهجينة وغوايته الإعلامية، وهذا أصبح واضحاً في شهرَي آذار/ مارس ونيسان/ أبريل، الماضيين، حيث لاحظ المراقبون ارتفاع نشاطه الأمني إلى نسبة الضعف مما كان عليه في الأشهر السابقة. وهذا ما أثار المزيد من القلق لدى القيادة الأمنيّة – العسكرية في العاصمة بغداد و«قوات التحالف» على حد سواء، ولا سيما من ناحية إعادة تجربة تنظيم «القاعدة ــــ فرع العراق» (2010 - 2013) في الصعود مرّة أخرى بعد القضاء على قيادة التنظيم (أبو عمر البغدادي وأبو حمزة المهاجر)، وانكماش عملياته وموارده البشرية إلى درجة الاختفاء أو عدم الوجود، ثم ظهور نسخة مطوّرة أكثر توحّشاً وخبرة في إدارة إمكاناتها وتقسيم أدوارها، بمعزل عن التباين في التوحّش والهيكليات والمناهج التنظيمية والتعامل مع السكّان.

علامَ يرتكز التنظيم في هيكليّته الجديدة؟
لا يزال الهيكل التنظيمي الجديد يعتمد على وسائل الاتصال الإداري المتبعـة في الهيكل التنظيمي القديم، ما بين وسائل الاتصال الكتابي المشفّر، والشفهي الفوري عبر مكتب يعرف بـ«ساعي بريد الولايات»، ويتفرّع منه «ساعي بريد الولاية»، و«ساعي بريد القواطع»، ويعرف في التنظيم بـ«الربطة»، وهو من يحدّد الزمان والمكان لتسلّم وتسليم الرسائل، ويعتبر نقطة الضعف التي لا يمكن للهيكل التنظيمي أن يتجاوزها، وهي سبب دماره في كل مراحله السابقة، وهي السبب الرئيسي في تأخّر البيانات والأوامر بين وحدات الهيكل التنظيمي لطول خط الاتصال وتعدّد المستويات الإدارية.
كذلك، يبرز اليوم، وفي خطوة احترازيّة، تحريم وتجريم من يستخدم وسائل الاتصال الإلكترونية المرتبطة بالشبكة العنكبوتيّة، في ضوء الإمكانات المتوفّرة في اختراق ومتابعة تلك الوسائل.

ما هي أبرز معالم الهيكليّة الجديدة؟
يوضح الهيكل التنظيمي الجديد خطوط السلطة والمسؤولية والاتصال الرسمي، أمّا أبرز معالمه فيمكن إيجازها بـ:
1- تخفيض عدد الولايات إلى 14 ولاية بعدما كانت 35 ولاية.
2- تخفيض عدد الدواوين من 14 والاحتفاظ بـ 5 فقط، هي: الجند، الأمن العام، القضاء والمظالم، بيت المال والإعلام المركزي.
3- تخفيض عدد المكاتب والهيئات الخارجية الـ 5، وجمع وظائفها في مكتب واحد، وهو مكتب الهجرة وإدارة الولايات البعيدة.
4- الاعتماد على اللامركزية في تنفيذ أوامر «اللجنة المفوّضة».
5- الاعتماد على التمويل الذاتي للولايات، وتخفيض كفالات ورواتب الموارد البشرية التنفيذية واللوجستية.
6- إلغاء ورش التطوير والتصنيع الخاصة بالأسلحة البيولوجية والكيميائية.
7- تخفيض عديد العمليات الانتحارية والانغماسية إلى حدّها الأدنى.
8- إيقاف الهجرة والتطوّع إلى العراق وسوريا، والبدء بالهجرة العكسيّة وعودة الأجانب إلى دولهم أو الهجرة إلى ولاية غرب أفريقيا.
9- تخفيض عديد القوات العسكرية، حيث كان «ديوان الجند» بين عامَي 2014 و2017 يتكوّن من 3 جيوش: «الخلافة» و«العسرة» و«دابق»، وقوام كل واحد منها 12 ألفاً، وبمجموع نحو 36 ألف عنصر. أمّا اليوم، فبات عديد عناصر القتالية الناشطة في ولاية العراق وفي 11 قاطعاً بين 350 و4000 عنصر، كما أن هناك نحو 8000 عنصر غير ناشط، يمكن اعتبارهم قوّة احتياطية مستعدّة للقيام بالنشاط عندما تستدعى، وهي التي تعرف إعلاميّاً بالخلايا النائمة.


من هم أبرز القادة الجدد؟
رغم اختلاف القيادات التكفيريّة المتعاقبة على تنظيمات «القاعدة» و«داعش» في العراق، فإن القادة الجدد، منذ ظهورهم ككوادر وسطية في عهد أبو مصعب الزرقاوي (2004) وحتى صعودهم على رأس الهرم القيادي (2019)، هم أبرز القيادات الأيديولوجية التي برزت بشكل تراتبي متنامٍ على ساحة الجماعات «التكفيرية الجهادية». وإن كان تأثيرهم في مناطق خارج أرض الصراع في العراق وسوريا لا يزال ضعيفاً، لكن المؤشرات تشير إلى أنهم يعملون على تكتيك إدارة العمليات الإرهابية الخارجية بطريقة الصدمات والذئاب المنفردة، وفق الحاجة الإعلامية لإثبات حضورهم، ووفقاً للظروف الداخلية من جهة، وطبيعة التحدّيات الدولية التي تواجهها فلول التنظيم في العراق وسوريا من جانب آخر. هذا بالإضافة إلى تقييم تجربتهم في مصالحة المناطق العربية «السُنّية» والفصائل التكفيرية الأخرى، ومدى استمرار قوّة وتماسك تحالفاتهم الجديدة.
وعن هؤلاء، الذين صاغوا هيكلاً تنظيمياً جديداً يحقّق لهم انكماش الوحدات الإدارية، ويمهّد فرض سلطتهم وإحكامها ديموغرافيّاً، قسّموا مهامهم بينهم على الشكل التالي:
1- «الخليفة»: أبو إبراهيم القرشي.
2- «مجلس الشورى»: بزعامة جمعة عواد البدري، ويتألف من 5 أعضاء هم: أبو محمد المصري، أبو هاشم الجزراوي، أبو سعد الليبي، أبو صالح الجزراوي، وأبو عبد الله القاضي الغلامي.
3- «اللجنة المفوضة»: بزعامة «حجي حامد»، سامي جاسم محمد الجبوري. مكوّنة من 5 أعضاء هم:
- «حجي تيسير»، معتز نومان عبد نايف الجبوري؛ المشرف على الأمن والجند والمكاتب الخارجية، وقد أعلن عن مقتله قبل أيام في غارة لـ«التحالف» في ريف دير الزور السوري، مطلع شهر أيّار/ مايو الجاري.
- «أبو الحارث»، زياد جوهر عبد الله؛ المشرف على المضافات والمخازن والنقل والبريد الخاص.
- «حجي زيد»، بشار خطاب غزال الصميدعي؛ المشرف على القضاء والهيئات الشرعية.
- «أبو حمزة القرشي المهاجر»، المشرف على الإعلام المركزي.
- «أبو صالح الجزراوي»، نايف حمد شياع، المشرف على عمليات التمويل والاستثمار.

الخبير في شؤون الجماعات التكفيرية