حلّ على العراق الموعد السنوي لانطلاق التظاهرات المطلبية المندّدة بسوء الخدمات الحكومية منذ عام 2016. وإذا كان هناك قاسم مشترك بين كلّ تلك التظاهرات، متمثّل في عنوان مطالبة الحكومة بتحمّل مسؤولياتها سياسياً (تظاهرات «التيار الصدري» على سبيل المثال لا الحصر)، واجتماعياً (تظاهرات تشرين الأول/ أكتوبر 2019)، وخدماتياً (تظاهرات البصرة 2018 وبغداد 2020)، فإن ثمة فوارق لنواحي الشعارات والداعمين والمتضرّرين.قبل أيام، سقط عدد من الضحايا أثناء فضّ القوات الأمنية تجمّعاً في وسط العاصمة للمطالبة بتحسين الخدمات الكهربائية، وتأمين الحدّ الأدنى من ساعات التغذية، في ظلّ الارتفاع المهول في درجات الحرارة، والتي بلغت خلال الساعات القليلة الماضية الـ 50 درجة مئوية (تصدّرت مدن في جنوب العراق إحصائية عن أكثر مدن العالم التي سجّلت ارتفاعاً في درجات الحرارة). هو إذاً عامل متجدّد يبدو كفيلاً، في كلّ صيف، بدفع العراقيين إلى الشارع. لكن، مع ذلك، تبقى هناك عوامل سياسية تؤدي دوراً في الدفع نحو التوتير.
مع تسنّم عادل عبد المهدي منصب رئيس الوزراء، رجّحت مصادر بارزة (حتى من أوساط داعميه) خروج تظاهرات ضدّه قبل أن تستكمل حكومته عامها الأول (صيف 2019). في الظاهر، كان العنوان المطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية، لكن أبعد من ذلك، بدا أن ثمة نقمة على الرجل لميله إلى معسكر طهران. مطلع أيار/ مايو الماضي، خَلَفَ مصطفى الكاظمي عبد المهدي في منصبه، ليتوقّع البعض (من المحسوبين على المعسكر الإيراني، وتحديداً جناح قوّة القدس في الحرس الثوري) عودة التظاهرات مطلع الصيف الجاري، وبلوغها ذروتها في الشهر الثامن (آب/ أغسطس المقبل). السيناريو نفسه يتكرّر عملياً، وإن بشكل معكوس، وما تبديل قوى سياسية أدوارها من موالاة حكومة عبد المهدي إلى معارضة حكومة الكاظمي (والعكس) إلا دليل على ذلك.
بالنسبة إلى الكاظمي، وعلى رغم وجود توجّه إيراني لدعمه في عبور المرحلة الراهنة في ظلّ تعاظم خطر انهيار الدولة، إلا أن بعض حلفاء طهران، وجلّهم من فصائل المقاومة، لا يزالون على موقفهم الرافض للرجل. وهو موقف يتقاطع معه، وإن بصورة أقلّ حدة، زعيم «ائتلاف دولة القانون» نوري المالكي وزعيم «تحالف الفتح» (الكتل المؤيّدة لـ«الحشد الشعبي») هادي العامري، واللذان يترقبان كلمة زعيم «التيّار الصدري» مقتدى الصدر، الذي نُقل عنه أنه مَنَح الحكومة مهلة 100 يوم للحكم عليها.
ما المطلوب؟
مواقف طهران خلال زيارة الكاظمي لها ضيّقت حسابات كثيرين


أريد، من خلال توجيه تظاهرات تشرين الأول/ أكتوبر سياسياً، إفهام طهران أن العراق لا يُحكم من دون الشراكة مع واشنطن. أما اليوم، وفي ظلّ بروز مقاربة إيرانية جديدة تنأى بطهران عن الانغماس في الرمال العراقية، يبدو أن بعضاً من حلفاء إيران يريدون إعادة تأكيد حضورهم ودورهم. لكن، هل ثمّة قرار بإسقاط الكاظمي بالفعل؟ تقول القوى المعارضة لرئيس الحكومة إنه لا قرار بذلك، وإن وُجدت الرغبة فيه. وعليه، تحاول هذه القوى تصعيد الضغوط على الحكومة، من دون قطع «شعرة معاوية» معها. الهدف من تلك الضغوط صون مكاسب الانتخابات التشريعية الأخيرة (أيار/ مايو 2018) قبيل موعد إجراء الانتخابات المقبلة، والدفع بالحوار الاستراتيجي العراقي - الأميركي قُدُماً من أجل وضع جدول واضح لانسحاب قوات الاحتلال.
على أن مواقف طهران خلال زيارة الكاظمي لها ضيّقت حسابات كثيرين، وخصوصاً مِمَّن يراهنون على تناقض الأجنحة في الجمهورية الإسلامية في مقاربة الملف العراقي. وفي انتظار ما ستؤول إليه التطوّرات في الشارع، تُفضّل مصادر سياسية مطّلعة التريّث في قراءة المشهد، الذي تصفه بأنه «أعقد بكثير مما يتصوّره أحد، والترقّب هو الخيار الوحيد... طهران وواشنطن تترقّبان أيضاً، فكيف بنا؟».