بغداد | «بعد أن كادت ساحة التحرير تكون مكاناً للفاحشة ومعصية الله، وجب علينا نحن المؤمنين أن نرفع صوت الله فيها... أيها المؤمنون من النجف الأشرف وكربلاء المقدسة والعاصمة بغداد، صلّوا في ساحة التحرير الحبيبة صلاة الجمعة الموحدة». بهذه العبارات، غرّد زعيم «التيّار الصدري»، مقتدى الصدر، بعد يوم واحد من موقف مثير للجدل، تراجع فيه عن قَسَمه بـ«عدم خوض غمار الانتخابات» المزمع إجراؤها في حزيران/ يونيو 2021، مُعلِناً بشكل رسمي المشاركة في السباق، والسعي إلى الظفر بمنصب رئاسة الوزراء.مواقف الصدر الأخيرة حملت رسائل عديدة، لعلّ أبرزها ما يلي:
1- دعوة مناصريه في مختلف المحافظات إلى دخول ساحات الاحتجاج و«تنظيفها»، حتى لو تَطلّب الأمر صداماً مباشراً أو مسلحاً.
2- شيطنة المتظاهرين والناشطين، ودفعهم إلى الردّ بالمثل، وهو ما أسفر عن اندلاع حرب إلكترونية عبر منصّات التواصل الاجتماعي، وصلت إلى حدّ التهديد بالتصفية الجسديّة.
3- سعي «الصدريين» إلى إعادة فرض سطوتهم على الساحات، حتى تكون ورقة رابحة بأيديهم، للضغط على القوى السياسية من جهة، وإنهاء الاحتجاجات بعد الظفر بالمكاسب الانتخابية من جهة أخرى.
4- استعراض القوة، والتأكيد أن «التيّار الصدري» هو الممسك بزمام الأمور في المحافظات الجنوبية.
تَحقّق للصدر ما أراد في العاصمة بغداد، حيث أُقيمت «الصلاة الموحّدة» الجمعة الماضي بحضور آلاف «الصدريين»، وانتهت برفع شعار: «الآن تمّ تنظيف الساحة من القذارة». لكن على العكس من الهدوء في العاصمة، دقّت ساعة الفوضى في محافظة ذي قار، حيث دخل عشرات «الصدريين» إلى «ساحة الحبوبي» وسط مدينة الناصرية في محاولة للسيطرة عليها، ما أسفر عن صدامات كبيرة وإطلاق نار وسقوط عشرات الضحايا بين قتيل وجريح.
وفي حديثه إلى «الأخبار»، أفاد مصدر في دائرة صحة ذي قار بأن الحصيلة النهائية لأحداث «الحبوبي»، التي وقعت ليل الجمعة - السبت، بلغت 5 قتلى بينهم فتى لا يتجاوز الـ14، وآخرهم توفي صباح السبت متأثراً بجروحه، و77 جريحاً 3 منهم في حالة حرجة. وأضاف المصدر أن القوات الأمنية المكلفة بحماية الساحة تكبّدت، هي الأخرى، خسائر في صفوفها، إذ بلغ عدد مصابيها 5 منتسبين، حالتهم مستقرّة. وكان حساب «صالح محمد العراقي» (المعروف بأنه يعبّر عن رأي الصدر) نشر تغريدة جاء فيها: «الحمد لله رب العالمين... الآن أيها الشجعان استمروا بالتنظيف لإرجاع الحياة الطبيعية، وإرجاع هيبة الدولة». وأعقب التغريدةَ تلك إضرامُ النيران في العديد من خيم المتظاهرين، وتحطيم البقية، فضلاً عن «نصب سيطرات (نقاط) قرب مركز الدم، ومنع الأطباء من المرور وإسعاف المصابين»، بحسب ما ذكرت صفحة «ساحة الحبوبي» على «فيسبوك».
أراد الصدر التأكيد أنه الممسك بزمام الأمور في المحافظات الجنوبية


ووصف أسعد الناصري، القيادي المنشق عن «التيار الصدري» أخيراً، ما حدث في «الحبوبي» بأنه «تقصير واضح من الأجهزة الأمنية في منع العصابات المسلحة التي تريد اقتحام الساحة»، داعياً العشائر إلى «الوقوف مع أولادها، لمنع هذا الاستهتار بدماء الأبرياء»، فيما اعتبر سيد سلّوم الناصري، الناشط والمدوّن، ما جرى محاولةً لـ«إنهاء التظاهرات لأنها لم تسمح للتيار الصدري بركوبها»، مخاطباً «الصدريّين» بالقول: «بعدما أسقطتكم التحرير، وبعد أن دفعتم كلّ شيء من أجل السيطرة عليها وعلى بقية الساحات، وبعد عمليات الخطف والقتل («جرّات الأذن» بتعبير الصدر في إحدى المقابلات التلفزيونية)، وبعدما أدخلتم قبعاتكم للسيطرة عليها بالقوة، وبعدما حرّضتم على إنهاء التظاهرات لأنها لم تسمح لكم بركوبها، أصبحت الآن مكاناً للفاحشة». أمّا «المرصد العراقي لحقوق الإنسان»، فقد حمّل رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، مسؤولية قتل المحتجين، داعياً إيّاه إلى «عدم الاكتفاء بتشكيل اللجان التحقيقية». هذا التأزّم دفع بالصدر إلى إصدار بيان جديد ظهر السبت، قال فيه إن «على الحكومة حماية محافظة ذي قار ومواطنيها، فإن لم تستطع فللعراق جنوده»، ليعود ويؤكّد: «نحن والتشرينيّون في خانة الإصلاح، ما داموا لا يدعمون الشغب والأعمال الإرهابية». على أن اليوم لم ينتهِ بذلك، إذ شهدت «الحبوبي»، ليلاً، دخول مركبات سوداء يستقلّها ملثمون قاموا بفتح النار على متظاهرين بدأوا بالتجمع توّاً، من دون أن يصيبوا أحداً منهم. ومع شروق شمس الأحد على الناصرية، وصل فوجان من المهمات الخاصة في «الشرطة الاتحادية» إلى المدينة، بأمرٍ من الكاظمي، بعدما أعلن الأخير - فجراً - تشكيل لجنة «فريق أزمة الطوارئ» لحماية المتظاهرين السلميين ومؤسسات الدولة والممتلكات الخاصة. ووصل الفريق المؤلّف من مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، ورئيس جهاز الأمن الوطني عبد الغني الأسدي، وآخرين، إلى المدينة صباح أمس، معلناً «حالة طوارئ» حتى إشعارٍ آخر.
لكن يبقى السؤال: لماذا تأخّر الكاظمي في تشكيل اللجنة، وكأنه كان في انتظار إشارة من الصدر؟ الجواب يراوح بين ثلاثة احتمالات:
1- إمّا أن ثمة تواطؤاً بين الرجلين، بعدما بات الكاظمي محرَجاً من النزول دوماً عند رغبات الشارع، الذي يتطلّع الصدر في الوقت عينه إلى ضبطه، وهو ما ينجم عنه تبادل مصالح قبيل الانتخابات.
2- وإمّا أن الكاظمي يخشى الدخول في مواجهة مباشرة مع «التيار الصدري». وبالتالي، فإن ثمن «الولاية الثانية» يتطلّب غضّ الطرف عن تصرّفات الأخير، مع أن التجارب السابقة أثبتت أن الصدر دوماً ما «يضحّي» بـ»حاكم بغداد» بُعيد الاستفادة منه.
4- وإمّا أن ما يدور حالياً هو «توريط» للكاظمي، ومحاولة لإظهاره عاجزاً عن تنفيذ ما نادى به في برنامجه الوزاري، وهو ما لا تستبعده مصادر رئيس الوزراء، قائلة إن «الهجمة» المستمرّة على الأخير منذ تولّيه منصبه «ستّتخذ منحى أقسى» مع الاقتراب من موعد الانتخابات.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا