بغداد | على أعتاب السنوية الأولى لاستشهاد نائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي»، أبي مهدي المهندس، وقائد «قوة القدس» في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، يتمسّك الأمين العام لـ«فرقة العباس القتالية»، ميثم الزيدي، بتنفيذ رؤيته القاضية بالانفصال عن «هيئة الحشد»، متسلّحاً بغطاء قانونيّ سبق أن تَوفّر له إبّان فترة حكم رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي (راجع «الأخبار»، العدد 4036). في هذا السبيل، عقد «حشد العتبات»، المكوّن من أربعة تشكيلات عسكرية هي «فرقة العباس» (التابعة للعتبة العباسية) و«لواء علي الأكبر» (التابع للعتبة الحسينية) و«فرقة الإمام علي» (التابعة للعتبة العلوية) و«لواء أنصار المرجعية»، على مدى ثلاثة أيام، مؤتمراً بعنوان «حشد العتبات: حاضنة الفتوى وبناة الدولة». مؤتمر أُعلن أن الهدف منه مناقشة المستجدّات الأمنية والعسكرية، وسبل التعاون وتبادل الخبرات وآليات تطويرها، لكنه - وفق المعلومات - يهدف إلى رسم المسارات التنفيذية لإجراءات الانفصال المرتقب، وهو ما ظهرت بوادره في البيان الختامي.بحسب مصادره، فإن «حشد العتبات» يرى نفسه «المُمثّل الحقيقي» لـ«فتوى الجهاد الكفائي» التي أطلقها المرجع الديني علي السيستاني في 13 حزيران/ يونيو 2014، بعد سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم «داعش». وهي رؤية تجلّت بوضوح في الشعار الذي حمله المؤتمر، والذي حرصت التشكيلات الأربعة على ترويجه على أوسع نطاق ممكن. تقول المصادر إن الخلاف بين «الحشد الولائي» (القوّات المشكّلة لـ«هيئة الحشد») و«حشد العتبات» (المحسوب على المرجعية) قديمٌ ومتجذّر، ملخّصةً إيّاه بنقطتين أساسيتين:
1- تهميش «حشد العتبات»، وإبعاده عن دائرة صنع القرار داخل «الهيئة»، وهو تهميشٌ مردّه إلى مطالبته المتكرّرة بحصّته من المناصب والتمويل.
2- التمسّك بـ«الانتماء إلى الدولة وترسيخ مفهوم الولاء لها»، والالتزام بالتبعية للقائد العام للقوات المسلّحة، والتي ثبّتها عبد المهدي بقراره الصادر في نيسان/ أبريل 2019، فيما «الولائيّون» (نسبةً إلى إيمانهم بفكرة «الولي الفقيه») «لا يمتثلون لأوامر الدولة، ولديهم أجندات خاصّة بهم».
وتشير المصادر إلى أن دوافع انعقاد المؤتمر كثيرة، منها - على سبيل المثال - تكرار نمط معيّن من الحوادث الأمنية، التي تضرب، بحسبها، «صورة الدولة وهيبتها»، مشيرة بذلك إلى ما تقوم به حركة «ربع الله» (مجموعات ترفع لواء ردع المسيئين لـ«الحشد الشعبي»). وعلى رغم أن وكيل «المرجعية» في لبنان، حامد الخفاف، سبق وأن أكّد أن «العتبات ليست من المؤسسات والجهات التابعة للمرجعية»، فإن مصادر «حشد العتبات» تذهب إلى أن «مرجعية النجف قلقة من عجز الحكومة عن ضبط هذه التجاوزات، ولذلك تريد أن تعطي الحشد التابع لها شرعية جديدة كالتي كانت في عام 2014»، مشيرةً إلى أن «الشعار يدلّ على ذلك، والمؤتمر يُعتبر بمثابة دعوةٍ لإعادة هيكلة الحشد بقوّة موثوقة ومنضبطة، تسند الدولة وتكون رأس حربة لتجريد الفصائل من سلطتها».
يسعى «حشد العتبات» إلى تأكيد «عراقية الحشد» معلناً انتماءه الحصري إلى «مرجعية النجف»


بدوره، لفت آمر «لواء علي الأكبر»، علي الحمداني، إلى أن «المؤتمر خلا من أيّ تمثيل لهيئة الحشد، فتشكيلاتنا ليست ضمن تشكيلات الهيئة، بل هي مرتبطة بالقائد العام للقوات المسلحة، وتنتظر قراره لحسم شكل الارتباط به إدارياً ولوجستياً ومالياً». وأضاف: «حالياً، ثمّة ارتباط مالي وإداري بالهيئة فقط، لكننا نطمح لفكّه كلياً، والعمل مع قيادة العمليات المشتركة في الشقّ المتعلّق بالعمليات ومسك القواطع»، معتبراً أن «فتوى المرجعية العليا كانت للجميع، لكن لم يلتزم الجميع بها... فهناك من استغلّها وهم موجودون الآن داخل الهيئة، وهذا ما دفع لإقامة مؤتمرنا».
أمّا في بغداد، فإن الموقف الحكومي لم يتّضح بعد، خصوصاً في ظلّ غياب أيّ تعليق من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي على فعّاليات المؤتمر، الذي قرأ البعض في غياب التمثيل الرسمي عنه محاولة من قِبَل الحكومة للابتعاد عن أيّ سجالٍ من شأنه أن يعزّز انقسام مؤسسات الدولة، علماً أن الكاظمي لم يمضِ قدماً بقرار عبد المهدي، كما لم يعطّله في الوقت عينه. وهو ما دفع بالمؤتمرين إلى الطلب من الكاظمي «إتمام خطوات الارتباط وبشكلٍ عاجل»، في ما قد يستجيب له الرجل على سبيل «تبادل الخدمات» مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات التشريعية المبكرة (حزيران/ يونيو 2021).
على خطّ مواز، وعلى رغم رفض «هيئة الحشد» التعليق على المؤتمر وفعّاليّاته، يوضح مصدر مطّلع بعض حقائق الخلاف بينها وبين «العتبات»، بما يلي:
1- القائد الفعلي للتشكيلات الأربعة هو ميثم الزيدي، وأسباب الخلاف كثيرة، وهي ليست وليدة اللحظة. الزيدي، لم يكن على وئام تامّ مع المهندس، وقد حاول مراراً الانشقاق عن «الهيئة» إبان حكومة حيدر العبادي (2014 – 2018)، وقد وعده الأخير بتنصيبه نائباً للرئيس بديلاً عن المهندس.
2- بعد استشهاد المهندس وسليماني، أراد الزيدي الظفر بمنصب رئيس أركان «الحشد». لكن رئيس «الهيئة»، فالح الفياض، بالتشاور مع قادة التشكيلات القتالية، أراد إسناد المهمة إلى الحاج «أبي فدك» (عبد العزيز المحمداوي)، وقد نتج من هذا القرار توتّر كبير داخل المؤسسة العسكرية - الأمنية (راجع «الأخبار»، العدد 3988).
3- يسعى «حشد العتبات» إلى تأكيد «عراقية الحشد»، معلناً انتماءه الحصري (قيادةً ومنتسبين) إلى «مرجعية النجف»، في ما يدلّ أيضاً على عمق الخلاف بين النجف وقم (مقرّ الحوزة الدينية في إيران). وهو خلاف ليس دينياً فحسب، بل مسحوبٌ أيضاً على الموقف السياسي وآليات اتخاذه.
4- هناك خلاف بين «الهيئة» و«حشد العتبات» إزاء المهمّات الموكلة إلى المؤسسة، وحدود المسؤولية، ومقاربة المشهد العسكري – الأمني من زواياه المتعدّدة، بدءاً من التكتيكات الخاصّة بالمعارك، وصولاً إلى الاستراتيجيات الحاكمة للمواجهة وحدودها، وليس انتهاءً عند الجهات الداعمة والراعية.
5- ثمّة مفقودات مالية تتجاوز قيمتها الـ220 مليون دولار أميركي، ويتبادل كلّ من «الهيئة» و«حشد العتبات» الاتهامات في شأنها.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا