بغداد | قرّرت الحكومة العراقية، رسمياً، المضيّ في تخفيض سعر العملة الوطنية مقابل الدولار الأميركي، في ما عدّته "إصلاحاً حقيقياً" في مواجهة الفساد المالي المستشري في البلاد منذ عام 2003، ووسط الأزمة الاقتصادية التي ضربت العراق بفعل انخفاض أسعار النفط. وتستهدف الحكومة من قرارها سدّ العجز المالي الحاصل في الموازنة التشغيلية؛ إذ إن تخفيض قيمة العملة المحلّية، بعدما حافظت على سعر 1200 دينار للدولار الواحد، سيُمكّنها من تأمين النفقات الداخلية، مع تراجع قيمة واردات البلاد النفطية إلى أقلّ من النصف.واعتبر وزير المالية، علي علاوي، أن هذا الإجراء "إصلاح للمنظومة المالية في البلاد، ودفع لعجلة الاقتصاد نحو الأمام، من أجل تحفيز القطاع الخاص وقطاع الإنتاج"، لافتاً إلى أن "ذلك يأتي بعدما عانى العراق من سعر صرف مرتفع، إذ بات الدينار العراقي عملة صعبة، وأصبح لزاماً اتخاذ الإجراءات المناسبة لهذه المشكلة، خصوصاً أن السوق العراقية مليئة بالسلع المستوردة". وعن تأثير الخطوة الحكومية، وعد علاوي بـ"اتخاذ مجموعة من التدابير لتعويض العواقب السلبية لتعديل سعر الصرف على الفقراء"، مشيراً إلى "(أننا) قمنا بزيادة مخصّصات الرعاية الاجتماعية في الموازنة لتعويض الارتفاع المحتمل في أسعار بعض السلع المستوردة".
وكان البنك المركزي قد أعلن، مساء السبت، أن سعر صرف الدولار المتداول سيكون 1470 ديناراً، وأقلّ منه بـ10 دنانير للمصارف، بزيادة تبلغ 10 دنانير لسعر شرائه من وزارة المالية. وأوضح أن "التغيير في قيمة الدينار العراقي سيكون لمرّة واحدة فقط ولن يتكرّر، وسيدافع البنك المركزي عن هذا السعر واستقراره بدعم من احتياطياته الأجنبية التي لم تزل بمستويات رصينة تمكّنه من ذلك". إلّا أن أوساطاً عراقية مختلفة وصفت الإجراء الحكومي الأخير بأنه "تعويم للعملة"، ولكن ليس بصورته المباشرة بل "المُوجَّهة". يعني هذا أن تحديد سعر صرف العملة الوطنية يُترك لقوى السوق وآلية العرض والطلب، فيما تتدخّل الدولة (عبر مصرفها المركزي) بحسب الحاجة، من أجل توجيه أسعار الصرف في اتجاهات معيّنة، من خلال التأثير في حجم العرض أو الطلب على العملات الأجنبية.
إزاء ذلك، برز العديد من ردود الفعل الرافضة لخطوة الحكومة. وفي هذا السياق، قال زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، في تدوينة له، إن "البنك المركزي وكافّة البنوك الأخرى أسيرة الفساد والمفسدين، ويجب على الحكومة والبرلمان السعي بالطرق التخصّصية لإنهاء ذلك وتحريرها فوراً ولا يكفي تعويم العملة". وأضاف أن "ذلك يكون سلاحاً ذا حدّين، فيَخرج العراق من أزمة ليقع بأشدّ منها، والمتضرّر الوحيد هو الشعب بأقواته ولقمته". تدوينة الصدر تبعتها دعواتٌ من نوّاب في تحالفه "سائرون"، مُوجّهة لرئاسة البرلمان، إلى الاستمرار في جلسات المجلس وعدم رفعها إلى ما بعد أعياد رأس السنة الميلادية، لما في ذلك من تعطيل للمجلس النيابي عن أداء دوره الرقابي، خصوصاً في ما يتعلّق بموضوع البنك المركزي وانهيار العملة العراقية.
الكاظمي: موازنة 2021 لن تمسّ رواتب الموظفين الذين يشكّلون غالبية الشعب


بدوره، رأى رئيس الحكومة الأسبق، زعيم ائتلاف "النصر" حيدر العبادي، أنه "كان يُمكِن للحكومة الحالية تقديم موازنة كالتي قدّمناها للأعوام 2015 - 2018، والتي قامت على تحديد الأولويات وضغط النفقات ومنع الهدر". أمّا زعيم ائتلاف "دولة القانون"، نوري المالكي، فاعتبر أن "تخفيض قيمة الدينار العراقي له آثار كارثية خطيرة، قد تؤدّي إلى انهيار الوضع العام وتدمير بنية الدولة والمجتمع، إن لم يصحبها تدخّل مباشر من الحكومة وأجهزتها الأمنية والاقتصادية". وتساءل: "ما هي إجراءات الحكومة لحماية المواطن ومراعاة ظروفه المعيشية من التلاعب والاستغلال الذي سيمسّ حياته بشكل مباشر؟". كذلك، حذر "حزب الدعوة الإسلامية" من أن "إجراءات وزارة المالية والبنك المركزي تؤثّر سلباً على الموظفين والفقراء وغيرهم"، معتبراً أن "هذه السياسة الاقتصادية لن توصل البلد إلى برّ الأمان، أو تُفكّك الأزمة الاقتصادية الخانقة التي باتت تسحق شرائح عدّة في المجتمع، وستنجم عنها اختلالات على الأصعدة كافّة".
في هذه الأثناء، عقد مجلس الوزراء، أمس، جلسة خصّصها لمناقشة الموازنة العامة لعام 2021 والتصويت عليها. وبعد ذلك، طمأن رئيس الحكومة، مصطفى الكاظمي، في مؤتمر صحافي، إلى أن "موازنة 2021 لن تمسّ رواتب الموظفين من الطبقتين اللتين تشكّلان غالبية الشعب، بل المستهدف فيها هو الطبقات العليا". وفي هذا السياق، أوضح وزير العمل والشؤون الاجتماعية، عادل الركابي، أن "نسبة الاستقطاع (التي أشار إليها رئيس الوزراء من الطبقات العليا) بلغت 40% من رواتب الرئاسات الثلاث، و30% من الرواتب الكلية للنواب والوزراء". كلام الكاظمي والركابي جاءا بعد تداول نسخة مسرّبة من الموازنة عبر وسائل الإعلام أثارت جدلاً كبيراً. وفي هذا الإطار، يبيّن مصدر حكومي، لـ"الأخبار"، أن التسريب "أمرٌ مخطّط له، وكان الغرض منه تشتيت السوق وخلق موجة غضب مسيطر عليها"، مضيفاً أن "الفكرة جعلت الشارع يتقبّل أقلّ الخسائر عن طريق رفع فقرة إلغاء المخصّصات والضرائب وتقليل الرواتب من موازنة 2021 عند عرضها للتصويت في مجلس الوزراء".

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا