مع ساعات الفجر الأولى، أمس، تبنّى تنظيم «داعش»، رسمياً، جريمة «ساحة الطيران»، التي نفّذها انتحاريان، وأسفرت عن سقوط عشرات الضحايا. وفي إطار «مواجهة التنظيم إن تكرّرت هجمات مماثلة»، بتعبير مصدر أمني مطّلع، «يمكن تفسير دوافع رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، في إجراء حزمة التغييرات في عدد من المفاصل الأمنية والعسكرية». تغييرات تصدّرت المشهد، قبل بيان التنظيم بساعات قليلة، في دلالةٍ واضحة على أن الكاظمي عازمٌ على حصر القرار الأمني ــــ العسكري بيده شخصياً، وهذا ما عبّر عنه في الجلسة الاستثنائيّة للمجلس الوزاري للأمن الوطني. معارضو رئيس الوزراء، وصفوا قراراته بأنها «تصفية حسابات»، مطالبين إيّاه بالعودة عنها، في وقتٍ يؤكّد فيه متابعون للمشهد الأمني أن الرجل «استثمر ما جرى، لإخراج بعض الوجوه الفاسدة، علماً بأن بعض المؤسسات التي طاولتها التغييرات تعمل من دون علم الحكومة المركزية، وبإدارة خارجية».وتفرض حادثة الخميس التوقّف عند أبعادها، كما يمكن التأسيس على تداعياتها، إن تكرّرت بوصفها تحوّلاً في مواجهة التنظيم، وتصنيفها وفق العناوين الآتية:
1- سياسياً؛ أرادت الأحزاب والقوى السياسية، وتحديداً تلك المعارِضة لأداء الكاظمي وحكومته، استثمار ما جرى للتصويب على الحكومة، وتحميلها المسؤولية، في محاولة لإسقاطها أو مساءلتها برلمانياً، بناءً على إخفاقها الأمني، وخصوصاً أن التفجيرات الانتحارية عادت إلى العاصمة بغداد، بعد سنوات من الهدوء.
يدرك أصحاب هذا التوجّه أن حكومة الكاظمي باقية حتى موعد إجراء الانتخابات التشريعيّة المبكرة (10 تشرين الأوّل/ أكتوبر المقبل)؛ ويعلمون أيضاً أن الغطاء الأميركي ــــ الإيراني الذي يظلّل الرجل، لن يُرفع راهناً، لأسباب عدّة، لعلّ أبرزها أنه «ما من بديلٍ حتى الساعة». وتجدر الإشارة إلى أن الضغوط والتجاذبات في العملية السياسية العراقية، ولا سيما إذا سبقت موعد إجراء الانتخابات التشريعية، تهدف عادةً إلى شدّ عصب الجمهور، أو تحصيل مكتسبات أو عقود بغية تأمين كلفة الحملات الانتخابيّة.
أرادت الأحزاب والقوى السياسية المعارِضة لأداء الكاظمي استثمار ما جرى للتصويب على الحكومة


سياسياً أيضاً، ثمة من يربط بين قرار واشنطن سحب قواتها، وعودة خلايا التنظيم إلى النشاط مجدّداً. يقول هؤلاء إن كلفة انسحاب قوّات الاحتلال الأميركي أقلّ من كلفة «عودة داعش»؛ وعليه، لماذا لا يتمّ التراجع عن قرار الانسحاب هذا في مقابل «الحفاظ» على أمن البلاد؟
في الأسابيع المقبلة، سيُختصر هذا النقاش بالسؤال الآتي: كم سيصمد الكاظمي؟ كيف سيواجه؟ وما هي خياراته المتاحة؟
2- أمنياً؛ يقول مصدرٍ أمني بارز إن «داعش» حاول، طوال الأشهر الماضية، الوصول إلى بغداد. ويضيف، في حديثه إلى «الأخبار»، إن «قيادة العمليات المشتركة أطلقت عدة عمليات استباقية لهذا الغرض»، فيما يشير إلى أنه «في الأسابيع الأخيرة، وفي معركة واحدة، خسر داعش أكثر من 60 مقاتلاً»، ليستدرك أن «محاولةً واحدة من المحاولات الكثيرة نجحت، وهذا ما شهدناه أول من أمس».
على خطٍّ موازٍ، وفي مقابل هذا التوجّه، ثمة من يحذّر من عودة الأحزمة الناسفة، عادّاً ذلك كـ«مقدمة لاغتيال شخصيات ووجوه». يضيف أصحاب هذا الرأي، إن المشهد الأمني في البلاد ينذر بسوء، ولا يمكن، راهناً، تنبّؤ مآلات الأمور. هذا الرأي بات محلّ إجماع لدى عدد من قيادات «الحشد الشعبي» وفصائل المقاومة، لكنّه، في المقابل، مرفوضٌ من قِبَل المقرّبين من رئاسة الوزراء. يصف هؤلاء ما يُقال بـ«التهويل»، وبأنه مرتبط بشكل مباشر بمحاولات الضغط على الكاظمي، وإفشال تجربته.
اللافت هنا، ليست النقاشات المحلية، بل ما يجري خارج الحدود. تشير معلومات «الأخبار» إلى أنّه، قبل مدّة، بدأ عدد من رجال الأعمال العراقيين بتمويل جمعيات تُعنى برعاية ضحايا هجمات «داعش». مشاريع لن تستهدف من سقط بين عامَي 2014 و2020، بل من «سيسقط» في الموجة المقبلة. هذا الحراك يفرض سؤالاً واحداً: هل العراق مقبل على انفجار أمني كبير؟ وهل هذا يفسّر قول الكاظمي، أمس، إن «هناك تحدّيات في الأجهزة الاستخبارية يجب معالجتها بشكلٍ عاجل، وسأشرف شخصيّاً على هذا الموضوع، وسنفرض وضعاً جديداً للعمل واتخاذ تدابير عاجلة... إذ أجرينا سلسلة تغييرات في البنية الأمنية والعسكرية، ونعمل على وضع خطة أمنية شاملة وفاعلة لمواجهة التحديات القادمة».
3- عسكرياً؛ يقول معنيون عراقيون إن «التركيز الحكومي على الشأنَين الاقتصادي والاجتماعي حاليّاً لا يعني غياب الاهتمام عن المشهد الميداني». ويضيف هؤلاء، في حديثهم إلى «الأخبار»، إن قيادة «العمليات المشتركة» في صدد التحضير لعمليات عسكرية وأمنية، تطلقها قريباً، لضبط نشاط «داعش» المتنامي، في الآونة الأخيرة.
هذا التحرّك من شأنه أن يكون حاجزاً أمام «الخطر الداعشي»، لكنّه مرتبطٌ، بطريقةٍ أو بأخرى، بحالة الاستقرار السياسي للبلاد، المقبلة على جملة استحقاقات تفرض على جميع القوى العودة خطوة إلى الوراء، والبحث عن حلول جدية. فالطبقة السياسية تدرك أن «عراق 2003» قد ولّى، وأن عليها البحث عن حلول لنظام بديل، وهذا مفقودٌ راهناً.