طهران | أُريد للانتخابات العراقية الأخيرة أن تكون تدشيناً لعهد سياسي جديد يتكلّل بانسحاب أميركي متوقّع نهاية العام الجاري. لكنّ النتائج الأولية (حتى الآن لم تُعلَن بشكل نهائي) كانت إيذاناً بتحوّل كوابيس ما قبل الانتخابات، التي كانت تدور في الكواليس السياسية، إلى حقيقة واجهتها القوى المتضرّرة من النتائج، وفي مقدّمتها تلك الداعمة لـ«الحشد الشعبي»، إذ خسر «تحالف الفتح» ثلثي مقاعده، وانخفض تمثيله البرلماني من 48 مقعداً في انتخابات 2018، إلى17 مقعداً في الانتخابات الأخيرة. كان الانطباع الأوّلي أن النتائج خضعت لهندسة ذكية من الصعب اكتشافها، ومن الصعب فضحها أيضاً، على رغم وجود معطيات كثيرة تدلّ على التلاعب
تحوّلت المحاولة الفاشلة لاغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وقبلها التوتّرات التي أعقبت الانتخابات التشريعية الأخيرة، إلى أحد أبرز مواضيع النقاشات في الأوساط السياسية والإعلامية الإيرانية. على الصعيد الرسمي، برز تنديد المتحدث باسم وزارة الخارجية سعيد خطيب زادة، أوّل من أمس، بالهجوم الذي نُفّذ بطائرات مسيّرة على ما أُعلن، وتجديده دعم إيران لـ«استقرار وأمن وهدوء» العراق. واعتبر زادة أن حوادث كهذه تصبّ في مصلحة الأطراف التي «استهدفت، على مدى الـ18 عاماً الماضية، استقرار العراق وأمنه واستقلاله وسلامة ترابه، وكانت من خلال إيجاد المجموعات الإرهابية وإثارة الفتن، بصدد تحقيق مآربها الإقليمية الدنيئة». من جهته، وصف أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، علي شمخاني، الحادث بـ«الفتنة الجديدة»، التي قال إنها تضرب بجذورها في «مراكز التفكير والتخطيط الأجنبية». لكن ما تبدّى، في الغالب، من وجهات نظر وآراء في وسائل الإعلام الإيرانية، كان التشكيك في حقيقة الحادث، وهو الموقف ذاته الذي عبّرت عنه بعض الفصائل القريبة من إيران في العراق.
وفي هذا الإطار، برز حديث البعض عن أن الهجوم تحوّل، قبل كلّ شيء، إلى ذريعة لزيادة الضغوط على مجموعات المقاومة العراقية، ولتهميش الاحتجاجات الأخيرة على نتائج الانتخابات، الأمر الذي يعود بالفائدة على الكاظمي. وكتبت صحيفة «كيهان»، القريبة من مكتب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، في مقال بعنوان «الاغتيال الفاشل لرئيس الوزراء العراقي، حقيقي أم استعراضي؟»، إن «الهجوم الفاشل، وما أفرزه من تغييرات في المعادلات التي أضرّت بالجماهير المحتجّة على نتائج الانتخابات وقوى المقاومة، مشكوك فيه، إلى درجة أن البعض أثار احتمال أن يكون الحادث استعراضياً ومفتعلاً»». وأضافت الصحيفة أن «عدم تصرّف الدفاعات الجوّية الأميركية المتطوّرة في هذا الخصوص، وضع علامات استفهام جادّة على ما يدور في كواليس الهجوم». أمّا موقع «نور نيوز»، القريب من المجلس الأعلى للأمن القومي، فقد اعتبر في أحد تحليلاته، أن الحادث «مشتبه فيه». وقال: «بينما تمّ تشكيل لجنة تقصّي حقائق لدراسة الأحداث الدامية التي شهدتها بغداد، يوم الجمعة، لمعرفة مَن أصدر الأوامر ونفّذ عملية قتل المحتجّين، فإن واقعة الهجوم على مقرّ إقامة رئيس الوزراء العراقي، ستؤدّي بالتأكيد إلى تهميش تلك الأحداث، وتجاهُل مطالب المحتجّين على نتائج الانتخابات، ولا يمكن أن تنطوي على فائدة لهم». ورأى الموقع أن «ردّة الفعل السريعة التي أبداها بعض العناصر ووسائل الإعلام غربيّة الهوى، وتوجيه أصابع الاتهام إلى مجموعات المقاومة، يزيد من غموض هذا الحادث المشتبه به أصلاً».
اعتبرت صحيفة «إيران» الحكومية أن الأميركيين يحاولون إثارة القلاقل وزرع الفرقة في منطقة غرب آسيا


وإلى أبعد من ذلك ذهبت بعض وسائل الإعلام الإيرانية، باعتبارها أن لأميركا والكيان الصهيوني ضلوعاً مباشراً في كواليس محاولة اغتيال الكاظمي، بالنظر إلى «أن الاضطراب وعدم الاستقرار في العراق يخدمان مصالحهما العليا». وكتبت صحيفة «إيران» الحكومية، في هذا المجال: «لقد أزيحت منطقة غرب آسيا من سلّم أولويات الأميركيين؛ إنهم يحاولون مغادرة هذه المنطقة، عن طريق إثارة القلاقل وزرع الفرقة وعدم الاستقرار فيها». وأضافت الصحيفة أن «خطة الأرض المحروقة جرى اعتمادها في أفغانستان، وكان الأميركيون يعقدون الأمل على أن تمهّد الحرب العرقية والطائفية لزعزعة أمن جيران هذا البلد (خصوصاً إيران والصين)، وتدفعهم للانزلاق في فخّ التوترات». ورأت أن «تكرار هذه الخطّة في العراق يمكن أن يكون أحد السيناريوات المطروحة على الطاولة؛ لاسيما أن ثمّة غموضاً يكتنف الهجوم على منزل الكاظمي، ربطاً بالدور الأميركي فيه»، لافتةً إلى أن «عدم تصرّف الدفاعات الجوية الموجودة في السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء في بغداد، يمثّل إحدى حالات الغموض تلك، إلى درجة أنه يُقال إن صفارات الإنذار لم تنطلق إلّا بعد وقوع الانفجار».
بدورها، اعتبرت صحيفة «أرمان ملي»، القريبة من التيار المعتدل، أن محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي، تُشبه سيناريو اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، رفيق الحريري، في بيروت، عام 2005. وأضافت أن «هذا الحادث ينطوي على تحذير مهمّ لجميع الأطراف والتيارات السياسية العراقية، من أن الأميركيين - وعشيّة تشكيل البرلمان العراقي واحتمال وضع قراره الصادر، العام الماضي، بخروج القوات الأميركية من العراق، حيّز التنفيذ -، يعتزمون إيجاد ضرب من المواجهة في الشارع والمدن العراقية، حيث يكون الخاسر هو التيارات القريبة من المرجعية وإيران». وخلصت الصحيفة إلى أنه «لهذا السبب، يبدو أن أميركا، وبعض الأنظمة الإقليمية، وخصوصاً الكيان الصهيوني، يقفون خلف الهجوم على مقرّ إقامة الكاظمي».
على خطّ موازٍ، برز القلق الناجم عن أثر التوتّرات الأخيرة في العراق، على العلاقات بين طهران وبغداد، وسط دعوة البعض إلى تجنّب الدخول في المواجهات الحزبية العراقية. وفي هذا السياق، اعتبر المختص في الشأن العراقي، أردشير بشنك، في مقال بعنوان: «لِتَحذر إيران الانزلاق في الصراع على السلطة في العراق» نُشر في صحيفة «الشرق»، أن «على الساسة الإيرانيين والمعنيّين بالسياسة الخارجية، أن يعبّروا بحذر ووعي تامَّين عن وجهات النظر تجاه التطوّرات العراقية». وأضاف أن «المحصّلة في الظروف الحالية، يجب أن تتمثّل في تحاشي الهَيَجان والانفعال، والعمل على التواصل وتحسين العلاقات مع جميع المجموعات، والاضطلاع بدور التوازن والشقيق الأكبر، لكي نبتعد زمنياً من هذا الوضع الحافل بالضبابية في بغداد».