بغداد | في ظلّ إصرار مقتدى الصدر على تشكيل حكومة أغلبية تنهي زمن الحكومات التوافقية، يصبّ التحالف المناهض له، والمتمثّل في «الإطار التنسيقي»، جهوده على منع زعيم «التيار الصدري» من تحقيق رغبته. وفي هذا السبيل، تحشد القوى المُشكّلة للإطار المذكور، بقيادة نور المالكي، لتكوين كتلة حاكمة، يكون بالإمكان تقديمها في البرلمان بوصْفها «الكتلة الأكبر» - بعد أن تُحسم نتائج الانتخابات بصورة نهائية -، التي يمكنها بالتالي تولّي مهمّة تشكيل الحكومة. ويستفيد معارضو الصدر، في مسعاهم ذاك، من رفض «السُنّة» و»الأكراد» - إلى الآن - الانضمام إلى أيّ ائتلاف لا يقوم على «توافق شيعي»، فيما بات مطروحاً، بقوّة، على ضوء ما تَقدّم، انتقال زعيم «الصدريين»، وحيداً، إلى صفّ المعارضة
حتى خلال أشدّ الأزمات السياسية قساوة في العراق طيلة 16 عاماً، عندما كانت القوى التقليدية عاجزة عن تأمين حلولٍ لبعض الإخفاقات السياسية عن طريق الأسس الدستورية، أو كان غير ممكن التوصّل إلى معادلة توافقية تنهي حال التشنّج، لم يصل الانسداد السياسي إلى مثل ما يقيم عليه حالياً. فالعام 2021، بحيثيات انتخاباته المبكرة، يبدو مختلفاً عن السنين السابقة، في ظلّ انقسام «الصفّ الشيعي»، الذي بات طرفاه يؤمنان بمشروعَين مختلفَين: أحدهما يرى في التوافق مخرجاً من الأزمة مما يمهّد لتشكيل حكومة جديدة تَخلُف فريق مصطفى الكاظمي، والآخر يريد حُكم أغلبية تقابله معارضة. المنادون بالمخرج الأول هم أطراف «الإطار التنسيقي» الذي يضمّ «تحالف الفتح» بزعامة هادي العامري، و»ائتلاف دولة القانون» برئاسة نوري المالكي، و»عصائب أهل الحق «بأمانتها المتمثّلة بالشيخ قيس الخزعلي، و»حركة عطاء» برئاسة فالح الفياض، فضلاً عن عمار الحكيم وحيدر العبادي. لكن هذا الفريق يصطدم برغبة «التيار الصدري» - بقيادة مقتدى الصدر - المعلَنة في تشكيل حكومة أغلبية وطنية أو اللجوء إلى خيار المعارضة السياسية. موقفٌ جدّده الصدر أوّل من أمس، حين دعا في مؤتمر صحافي ما سمّاها بـ»القوى الخاسرة» إلى حلّ الفصائل دفعة واحدة، وتسليم سلاحها إلى القائد العام للقوات المسلّحة (أتبع ذلك أمس بإعلانه حلّ لواء «اليوم الموعود»، وغلْق مقارّه بالكامل، وإمهال مقاتليه 48 ساعة لتسليم سلاحهم)، من دون أن ينسى أن يوجّه إلى «الإطار التنسيقي» إشارات سياسية، منها قوله إنه «يجب أن لا تكون خسارتكم سبباً لإنهاء وخراب العملية الديموقراطية في العراق حالياً ومستقبلاً». وهو ما فسّره مصدر سياسي تحدّث إلى «الأخبار» بأن «الصدر أراد بهذه الكلمات أن تصطفّ قوى الإطار خلفه، باعتباره المنتصر في الانتخابات الأخيرة. لكن بعض أطراف الإطار تتحفّظ على شخصه وأدائه السياسي، ما يجعل موقف توحيد الصف الشيعي أكثر تعقيداً».
وردّاً على ما أعلنه الصدر، التأم «الإطار التنسيقي» في منزل رئيس «تيار الحكمة الوطني»، عمار الحكيم، في منطقة الجادرية وسط بغداد، بحضور أطراف الإطار كافة، إضافة إلى ممثّلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين بلاسخارت. وأفاد مصدر مطّلع، «الأخبار»، بأن الاجتماع استمرّ 3 ساعات، وحضره أمين عام «كتائب حزب الله» أبو حسين الحميداوي، وجرى خلاله استعراض ما سمّاها المجتمعون «أدلّة التزوير والتلاعب بنتائج الانتخابات كافة»، فضلاً عن تقديم بيانات تثبت «تحريف عملية التصويت الإلكتروني لصالح جهات وقوائم انتخابية محدّدة». وأضاف المصدر أن بلاسخارت استلمت «الأدلّة»، وتعهّدت بعقد اجتماع مع رئيسَي الجمهورية برهم صالح والحكومة مصطفى الكاظمي، من أجل معالجة الموضوع. كذلك، وجّهت بعض الزعامات الحاضرة، مِن مِثل هادي العامري ونوري المالكي، اتهامات إلى بلاسخارت بالانحياز لصالح ما سمّوه «فريق تزوير الانتخابات»، في حين أبلغ بعض الموجودين الممثّلة الأممية بأن استعجال مجلس الأمن مباركة الانتخابات دليل على «وجود مؤامرة دولية للتزوير».
هذا التصعيد سبقه اجتماع لبرهم صالح والكاظمي ورئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، انتهى إلى إطلاق مبادرة وطنية تجمع القوى السياسية كافة، من أجل الوصول إلى صيغة اتفاق لحلّ الأزمة الراهنة بالأطر القانونية والدستورية. لكن الإشارات الواردة إلى الآن، تؤكد أنه من الصعب ترجيح كفّة التوافق على الأغلبية في المرحلة المقبلة، خصوصاً أن «التيار الصدري» قد يدفع باتجاه التنازل عن بعض المسائل السياسية للقوى «الكردية» و»السُنّية» مقابل المُضيّ في تشكيل الحكومة الجديدة. مع ذلك، فإن موقف الصفّين «السُنيّ» و «الكردي» بات واضحاً بعدم المضيّ في اتجاه اختيار رئيس وزراء لا يحظى بالتوافق «الشيعي»، وهذا ما يقود إلى استنتاج بأن الصدر قد يذهب إلى المعارضة وحيداً، مع إمكانية الاحتفاظ بمنصب الأمين العام لمجلس الوزراء، إذا بقي «الكرد» و»السُنّة» مصرّين على موقفهم من شخصية رئيس الحكومة الجديدة وآلية اختياره بالتوافق.