إزاء ذلك، ترى مصادر سياسية عراقية، في حديث إلى «الأخبار»، أن «عودة الصدر إلى المشهد السياسي في البلاد كانت أسرع من المتوقّع، فهو لا يزال لاعباً أساسياً على رغم إعلانه اعتزاله العمل السياسي»، معتبرة أن «الصدر لا يستطيع القبول باستئناف دوران عجلة السياقات السياسية، وخصوصاً لناحية تكليف شخصية جديدة لتشكيل الحكومة وانتخاب رئيس للجمهورية، لأن ذلك يعني، بشكل من الأشكال، خسارته الجولة، وخصوصاً أن قراره استقالة نوّابه من البرلمان جعلَه خارج دائرة التفاعل المباشرة إلّا عبر الشارع، وقد رأينا مآلات الاحتكام إلى الشارع والسلاح».
لا يبدو أن المبادرات والمقترحات نضجت حتى الآن
ويأتي التصعيد الكلامي هذا، في وقت لم تتوقّف فيه المناوشات المسلّحة بين «سرايا السلام» التابعة للصدر، وبعض المكوّنات المنضوية في «الإطار التنسيقي»، وخصوصاً «عصائب أهل الحق»، في البصرة، حيث أدّت الاشتباكات إلى سقوط ضحايا، ما تسبّب بتوتّر الموقف من جديد، وخصوصاً مع تزايد المخاوف من عودة مسلسل الاغتيالات. وتُدافع مصادر مقرّبة من «العصائب»، في حديث إلى «الأخبار»، بأن «هجمات سرايا السلام على مقارّ العصائب في البصرة لم تتوقّف طوال الفترة الماضية، إلى أن أدّت أوّل من أمس إلى سقوط عدد من الضحايا في صفوف» الأخيرة. وتضع المصادر قرار الخزعلي غلْق مكاتب الحركة كافّة حتى إشعار آخر، والطلب من أنصاره عدم الردّ على أيّ إساءة أو حرق للمكاتب، في إطار «تفويت الفرصة على الفتنة في هذه الفترة المتأزّمة من عمر البلاد». وتشير إلى «الارتياح الكبير الذي خلّفه هذا القرار لأنه يأتي في سياق وأْد الفتنة وحقن الدم الشيعي»، معتبرةً أن «أحداث البصرة الأخيرة أثبتت أن الصدر لا يمسك بشكل كافٍ بكامل مفاصل التيار، وخصوصاً سرايا السلام التي لم تُطع أوامره بالانسحاب من الشوارع وعدم الاحتكام إلى السلاح، على الرغم من أنه قال إن التيار الصدري منضبط ومطيع».
في هذه الأثناء، لا يبدو أن المبادرات والمقترحات نضجت حتى الآن. وفيما تنتظر جميع القوى نهاية فترة الحداد التي أُعلنت في البلاد لثلاثة أيام على أرواح ضحايا «أيام الفوضى المسلّحة» الأخيرة، تبدو الدعوات إلى الحوار التي أطلقتها الأطراف العراقية كافة معلّقة حتى إيجاد أرضية مشتركة يمكن أن تشكّل نقطة انطلاق التفاوض الذي تُعطّله حتى الآن نقطتان، تتمثّل الأولى في إصرار الصدر على عدم التجاوب مع هذه الدعوات من زاوية أن قرار اعتزاله «شرعي» لا سياسي، وبالتالي فهو قرار نهائي، في حين تتمثّل الثانية في صعوبة الاتفاق على برنامج موحّد للحوار في ظلّ السقوف العالية للمطالب والمطالب المضادّة.
وفي هذا الإطار، تقول مصادر قريبة من «تحالف الفتح» برئاسة هادي العامري، لـ«الأخبار»، إن الجميع مدعوّون إلى «التنازل من أجل مصلحة البلاد العليا وتجنيبها الانزلاق مجدّداً إلى لغة الشارع والسلاح»، معتبرةً أن «الحوار يبْقى الوسيلة الأنجع من أجل تجاوز الأزمة الحالية التي تتطلّب تكاتف الجميع والابتعاد عن لغة الإقصاء»، لافتةً إلى أن الدعوة إلى حلّ البرلمان واللجوء إلى انتحابات تشريعية مبكرة، حازت في مرحلة ما موافقة جميع القوى. وإذ تُشير إلى قرار «المحكمة الاتحادية العليا» التي حدّدت يوم الأربعاء المقبل موعداً لإصدار قرار بخصوص دعوى حلّ البرلمان المقدَّمة من «التيار الصدري»، فهي ترى أن القرار المرتقب قد يحسم الكثير من التفاصيل والمسائل التي من شأنها أن تُبلور معالم أوضح للفترة المقبلة.