بغداد | قبل ثمانية أشهر من الموعد المقرَّر لإجراء انتخابات مجالس المحافظات، بدأت تستعر الصراعات بين القوى السياسية حول طبيعة القانون الانتخابي الذي يُفترض أن تُجرى على أساسه هذه الانتخابات. ومع إنهاء البرلمان القراءة الأولى لمقترحٍ يُعيد العمل بنظام الدائرة الواحدة أو «سانت ليغو»، علت أصوات الحركات الناشئة و«المستقلّة» برفْض هذا المقترح، والدعوة إلى العدول عنه قبل التصويت عليه، فيما يُتوقّع أن يكون تمريره بوّابة لعودة «التيّار الصدري» إلى المشهد السياسي، وسط تلويح أوساط التيّار بأن الأخير لن يَقبل «قانوناً مجحفاً أثبتَ فشله في الدورات الانتخابية السابقة»
أنهى مجلس النواب العراقي القراءة الأولى لمقترح التعديل الثالث لقانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية، حيث أبدت القوى الناشئة والكتل المستقلّة رفْضها القاطع للمقترح الذي يعيد العمل بنظام «سانت ليغو» أو الدائرة الواحدة، مُطالِبةً بإعادة النظر فيه قبل قراءته مرّة ثانية والتصويت عليه. و«سانت ليغو» هو نظام لتوزيع أصوات الناخبين على القوائم المشاركة، تُقسم الأصوات بموجبه على 1.3 تصاعدياً، فتَحصل القوائم الصغيرة حينها على فُرص أكبر للفوز بمقاعد، فيما كلّما ارتفع القاسم الانتخابي إلى 1.6 أو أكثر، قلّت فُرص تلك القوائم وزادت مقاعد الأحزاب الكبيرة. وكان حدّد رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، تشرين الأوّل المقبل موعداً لإجراء الانتخابات، بينما اتّفقت القوى السياسية عبر سلسلة حوارات واجتماعات مطوَّلة على حسْم شكل قانون الانتخابات الجديد قبل شهر أيار المقبل. لكن مراقبين وبرلمانيين يعتقدون أن التباينات السياسية التي نشأت جرّاء الصيغة المقترَحة للقانون، قد تشجّع بعض الأطراف المعترِضة، ومن بينها «التيّار الصدري» والقوى المنبثقة من «حراك تشرين»، على استثمار ضغط الشارع لتجديد الاحتجاجات.
وفي هذا السياق، تَلفت نائبة عن الكتلة «الصدرية» المستقيلة من البرلمان طلبت عدم ذكْر اسمها، إلى أن زعيم التيّار، مقتدى الصدر، رفَض سابقاً، وفي أكثر من مناسبة، العمل بنظام «سانت ليغو» لأنه «قانون مجحف، وأثبت فشله في الدورات الانتخابية السابقة... فضلاً عن أنه يسمح للأحزاب المتنفّذة بممارسة التزوير والتلاعب بالأصوات وسرقتها من الشعب». وترى النائبة، في تصريح إلى «الأخبار»، أنه «إذا صوّتت القوى السياسية داخل البرلمان على قانون الانتخابات وفق نظام الدائرة الواحدة لكلّ محافظة، فهذا يعني أنّنا مُقبلون على استياء جماهيري كبير، سواءً من التيار الصدري أو باقي فئات المجتمع التي ترفض التزوير بكلّ أنواعه والمحاصصة». وتَلفت إلى أن «جميع الكتل تريد القانون وفق مقاساتها ومصالحها، وهو ما ينسحب على مَن يطالبون بـ"سانت ليغو" لأنه يلائم ظروفهم الحالية»، مضيفةً أن «مشاركة التيّار من عدمها في الانتخابات ما زالت غير معلومة». وتعتقد بعض القوى السياسية أن «التيّار الصدري» لن يفوّت فرصة المشاركة في هذا الاستحقاق، على اعتبار أنه يريد العودة إلى المشهد السياسي، وتلافي خسارة رصيده في ظلّ هيمنة خصومه على مراكز القرار.
يرى «التيّار الصدري» أن القانون المقترَح مُجحف وأثبت فشله في الدورات الانتخابية السابقة


من جانبه، يؤكد النائب عن «تحالف الفتح»، فالح الخزاعي، لـ «الأخبار»، أن «البرلمان ذاهب إلى التصويت على قانون انتخابات مجالس المحافظات وفق نظام سانت ليغو مع إجراء بعض التعديلات عليه، وذلك ضمن الالتزام بالمنهج الوزاري الذي قدّمه السوداني في وقت سابق»، معتبراً أن «"سانت ليغو" أثبت نجاحه في السنوات الماضية»، وأن «نظام الدوائر المتعدّدة لا يناسب ظروف المحافظات العراقية، خاصة وأن الناس يريدون أشخاصاً قريبين منهم، ويعملون للمحافظة ولخدمتها»، مضيفاً أن «هناك شبه إجماع سياسي على أن يكون القانون هو "سانت ليغو"». وفي الاتّجاه نفسه، تُرجّح أوساط سياسية أن تنجح قوى «الإطار التنسيقي» في تمرير القانون، لكن «هذا قد يكون من محفّزات عودة الصدريين إلى الشارع»، وفق ما يرى المحلّل السياسي، رافد العطواني، مرجّحاً، في تصريح إلى «الأخبار»، أن تكون لدى «الصدريين» نيّة للمشاركة في الانتخابات من خلال «تجمّع البنيان المرصوص» الذي يُعتبر إحدى التنسيقيات المهمّة التابعة للتيّار، وعن طريقها سينظّم «الصدريون» صفوفهم لغرض التصويت لمرشَّحيهم.
ويتّفق رئيس «منظّمة بصرياثا للثقافة الفيدرالية»، عمار سرحان، مع العطواني، على أن «التيّار الصدري لا يريد قانون سانت ليغو، الذي يستميت "الإطار التنسيقي" لإقراره لأنه ثبّت جذوره في السلطة منذ عام 2005 ولحدّ الآن»، محتمِلاً أن يكون هذا الرفض «نافذة لعودة التيّار إلى المشهد»، مضيفاً، في حديث «إلى الأخبار»، أن «الحركات والأحزاب الناشئة تشعر بأن القوى الكبيرة تريد تهميشها وإقصاءها، ولهذا فهي ترفض "سانت ليغو" تماماً». كذلك، يؤكد عضو مجلس النواب المستقل، رئيس «تجمع الفاو زاخو» عامر عبد الجبار، أن «جميع الحركات والأحزاب المستقلّة ترفض قانون الانتخابات المطروح، لأنه غير منصف لكلّ القوى الناشئة، ولا يمثّل أبناء المحافظات»، لافتاً إلى أن «الإطار التنسيقي هو المسيطر على البرلمان، ولهذا يريد أن يمرّر القانون بالقوّة والعدد من دون الرجوع إلينا نحن كمستقّلين». وإذ يشير إلى أن «المرجعية والشعب العراقي وثوار تشرين يرفضون "سانت ليغو" كوْنه أثبتَ فشله وعدم جدواه طوال السنوات السابقة، فهو يؤكّد أنه «ستكون لنا كنوّاب مستقلّين وللشارع مواقف حازمة وشديدة من هكذا إقصاء متعمّد وتهميش واضح»، مطالباً القوى السياسية بتمرير قانون الدوائر المتعدّدة، لأنه الأنسب في رأيه. وخلال الانتخابات التشريعية السابقة التي أجريت في تشرين الأول 2021، اعتمد العراق على القانون المذكور، وذلك بعد احتجاجات شعبية شهدتها أغلب مدن البلاد، وطالبت بإجراء انتخابات مبكرة، وتغيير مفوضية الانتخابات، والتصويت على قانون انتخابات جديد.