بغداد | في أعقاب الاحتجاجات الشعبية التي طالبت بخفض سعر صرْف العُملة المحلّية بعد أن ارتفع في الشهر الماضي إلى 170 ألف دينار للمئة دولار، عمدت الحكومة العراقية إلى تعديل سعر صرف الدولار ليصبح 130 ألف دينار لكلّ مئة دولار، نظراً للأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد. وتَرافق ذلك مع إعلان وزير الخارجية العراقية، فؤاد حسين، وفق ما نقلت عنه وسائل إعلام أجنبية، أن المباحثات التي أجراها مع الجانب الأميركي خلال الأسبوعَين الماضيَين كانت جيّدة، وإعرابه عن أمله في عودة قيمة الدينار، وحديثه عن أن بغداد وواشنطن اتّفقتا على وضع آلية لمراقبة تحرُّك الدولار ومنْع تهريبه إلى الخارج بطرق تُخالف المعايير الدولية. لكن مسؤولين حكوميين يؤكّدون أن اجتماعات الوفد العراقي الذي ضمّ مدير البنك المركزي علي العلاق، ووزيرة المالية طيف سامي، ووزير الخارجية، مع مسؤولي الاحتياط الفيدرالي والخزانة الأميركية، لم تؤدِّ إلى خفْض سعر صرف الدولار، بعدما ربط الأميركيون الأمر بتطبيق العراق المعايير الدولية في مكافحة غسيل الأموال وتهريب العُملة الصعبة وتمويل «الإرهاب».وتتباين آراء خبراء الاقتصاد والمال حيال الإجراءات الحكومية الأخيرة، بين مَن يراها خطوات في الاتّجاه الصحيح، وبين مَن يشكّك في فاعليتها، ويصفها بـ«العشوائية»، ويرى أن انعكاساتها ستكون كبيرة لناحية مضاعفة نسبة العجز في الموازنة المالية المرتقبة لعام 2023. وفي هذا الإطار، يعتقد المستشار الاقتصادي للحكومة العراقية، مظهر محمد صالح، أن مشكلة ارتفاع سعر الدولار هي «نتيجة سياسات اقتصادية خاطئة، تفتقر إلى التخطيط الصحيح وخاصة في مجال السوق»، لافتاً، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «الحُزم الإصلاحية التي قدّمها البنك المركزي لم تحلّ كلّ مشكلة ارتفاع الدولار بشكل جذري، وإنّما بشكل مؤقّت». ويشير صالح إلى أن «المصارف الخاصة، وكذلك أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة، كانوا يتعاملون بأريحية تامّة وبشكل عشوائي، لكن مع وجود المنصّة الإلكترونية التي وضعها الجانب الأميركي، اكتشفوا أن جميع تعاملاتهم كانت غير رسمية، وهناك عشوائية أيضاً في بياناتهم ومعلوماتهم لدى البنك المركزي، وهذا ما سهّل عمليات تبييض الأموال وتهريبها إلى الخارج، والتي أصبحت تجارة رائجة في السوق، من دون رقابة أو سيطرة عليها من قِبَل الجهات المعنية». ومن هنا، لا يَتوقّع المستشار الاقتصادي أن تُحلّ الأزمة، مرجّحاً أن تستمرّ «إذا لم يلتزم أصحاب المصارف والتجّار والحوالات الخارجية بالتعليمات الجديدة التي وضعها البنك المركزي». وفي ما يتعلّق بالمفاوضات مع الجانب الأميركي، يشدّد على أن «الأزمة داخلية» بالدرجة الأولى، مبيّناً «(أنّنا) نحن لم نلتزم بالمعايير الدولية في إدارة حركة الأموال، وبالتالي، فما الفائدة من تلك الحوارات إن لم نكن نحن أصحاب القرار في تنظيم وضعنا المالي؟». وعمّا إذا كان تدخُّل الدولة في محاسبة المُرابين والمتاجرين سيسهم في معالجة الوضع، يجيب باستبعاد ذلك «نتيجة هيمنة قوّة كبيرة استعمرت السوق».
الحزم الإصلاحية التي قدّمها البنك المركزي لم تحلّ مشكلة ارتفاع الدولار


وفي الاتّجاه نفسه، يستبعد الخبير الاقتصادي والمالي، صفوان قصي، «حلّ مشكلة العراق الاقتصادية بسهولة»، عازياً ذلك إلى «أسباب تتعلّق بتجّار العملة وعدم السيطرة على المنافذ الحدودية والمتحكّمين بالسوق الموازية». ويلفت قصي، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «أسعار السلع الموجودة في السوق لم يتمّ إدخالها في نظام واضح لآلية التسديد، فيما الكثير من التجّار يتملّصون من الضرائب الجمركية ودفْع الرسوم، ويقومون بإدخال بضائعهم بطرق غامضة»، متوقّعاً أن «يستمرّ سعر صرْف الدولار في الارتفاع في السوق الموازية، إن لم تستطع الحكومة العراقية محاسبة التجّار غير النظاميين ومعالجة قضايا التلاعب بالعملة وتهريبها». ويشير إلى أن «الحُزم التي وضعها البنك المركزي لم تلقَ صدى في معالجة الأزمة الاقتصادية»، وأن «أصحاب الصرافات يقومون بشراء الدولار لكن لا يبيعونه، وهذا بكلّ تأكيد يؤدّي إلى اختلال أسعار السوق وغلاء السلع الاستهلاكية وخاصة السلع الدولارية». ويرى أن «مفاوضات واشنطن مع بغداد، هي مجرّد مقدّمة لفرض ضوابط على العراق لمنعه من التعامل مع دول كإيران وتركيا، لا تريد واشنطن أن تكون بغداد نافذة لوصول الدولار إليها من خلال التبادلات التجارية». ويُعرب عن اعتقاده بأن «حكومة السوداني والبنك المركزي سيمتثلان للشروط الأميركية من أجل تشجيع الاستثمار وكسْب الدعم وتحقيق الاستقرار الاقتصادي».
من جهتها، لا تتوقّع عضو اللجنة المالية النيابية، نرمين معروف، «معالجة الأزمة بسهولة، إنْ لم تكن هناك إرادة حقيقية لدى حكومة السوداني في ملاحقة الفاسدين، وكذلك المضاربين والتجّار الذي هيمنوا على السوق». وتَعتبر معروف، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «خطوة تعديل سعر الصرف مهمّة، لكن هل ستؤثّر على الموازنة المالية القادمة؟»، مضيفةً «(أنّنا) حتى الآن لم نرَ تحسّناً في السوق وخفْضاً لأسعار السلع، نتيجة الغشّ من قِبَل ضعاف النفوس والتجّار». وتُوافق الباحثة العراقية في الشأنَين الاقتصادي والسياسي، ندى الكعبي، على أن إجراءات البنك المركزي «ما زالت مبهَمة وغير واضحة، وليس لها أيّ تأثير على السوق»، وترى أن «الحكومة ينبغي أن تُتابع الأزمة بعيداً عن المجاملات السياسية، وأن تُحاسب المتاجرين بالعملة والمتحكّمين بالدولار وأسعار السوق، وأن لا تقْصر عملها على إجراءات وقتية الهدف منها امتصاص غضب الشارع»، كما تقول لـ«الأخبار».
ولا يخفي حسن أيوب، وهو صاحب أحد محالّ الحوالات المالية في منطقة الكرادة، تخوّفه من بيع الدولار، عازياً ذلك إلى أن «قرارات الحكومة متقلّبة أكثر من سعر الدولار، وأنها تريد فرْض قوّتها علينا بوجود حيتان كبيرة من الفاسدين والمضاربين تحميها الأحزاب». ويلفت أيوب، في حديثه إلى «الأخبار»، إلى أن «أغلب الصيرفات والمنافذ الموجودة في بغداد وباقي المحافظات وحتى في أربيل، اتّفقت من خلال مجموعات الدردشة الخاصة على الواتسآب، على شراء كلّ 100 دولار بـ130 ألف دينار، بينما في الوقت نفسه لا نقوم ببيع الدولار للمشترين، لأنه سيسبّب خسارة لنا وأيضاً سيقلّل من نِسب الأرباح حتى عندما نشتري». ويختم بالقول: «أصبح العمل متعِباً، وربّما أقوم بإغلاق المنفذ إذا بقيت الأزمة».