بغداد | حينما كانت أحزاب المعارضة الكردية الإيرانية تسعى انطلاقاً من أراضي إقليم كردستان العراق، لتهريب السلاح إلى المناطق الكردية داخل إيران، أو حتى تنفيذ عمليات مسلّحة أو تأجيج التظاهرات هناك، كانت حكومة الإقليم تُظهر عجزاً عن القيام بأيّ شيء لمنع محاولات التخريب في البلد الجار، وبالتالي اضطرّت طهران، في أكثر من مناسبة، للردّ بالصواريخ مباشرة على مقارّ تلك الأحزاب. حينها، قال أحد مسؤولي «الاتحاد الوطني الكردستاني»، لـ«الأخبار»، إن حكومة أربيل عاجزة بالفعل، لأن الفصائل الكردية المعارِضة تحظى بدعم خارجي ومن ضمنه خليجي، وبالتالي فإن قرار كبْحها هو أكبر من أن يُتّخذ في كردستان. لكن اتّفاق الأمن الحدودي الذي وقّعه رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني في بغداد، مطلع الأسبوع، مع مستشار الأمن الوطني العراقي، قاسم الأعرجي، بحضور رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، يُفترض أن ينهي هذا التهديد، كونه يأتي في أجواء التفاهم السعودي - الإيراني الذي يُتوّقع أن يفكّ الاشتباك بين جانبَيه في كلّ الساحات، لا سيما وأن الاتفاق المذكور جرى بالتنسيق مع حكومة إقليم كردستان، وليس بعيداً منها.وفي هذا السياق، يقول القيادي في «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، وفاء محمد كريم، لـ«الأخبار»، إن «الاتفاق بين العراق وإيران تمّ بعلم حكومة إقليم كردستان وبموافقتها، وهو يستند إلى تفاهمات جرت قبل أكثر من شهرَين، وكانت إحدى النقاط المهمّة فيها، والتي اقترحها الحزب الديموقراطي الكردستاني على ائتلاف إدارة الدولة، هي أن يتواجد الجيش العراقي على الحدود، سواءً الحدود التركية أم تلك الإيرانية»، ويعتقد كريم أن «لهذا الاتفاق فائدة بالنسبة إلى جميع الأطراف، وحتى لأفراد قوات البيشمركة التي ستساعد الجيش العراقي في مسك الحدود، حتى لا نعطي الحجج للأتراك لقصف المناطق الكردية، وللإيرانيين لقصف بعض المناطق الموجودة في أربيل. ولذا، نحن نؤيّد الاتفاق ونساعد في تنفيذه».
إيران بدأت بعد اتّفاقها مع السعودية التحرّك لضبط إيقاع الأمن في المنطقة


لكن في حين لم يأتِ المسؤول الكردي على انعكاسات التفاهم الإيراني - السعودي على المنطقة ومن ضمنها العراق، بدا ظِلّ ذلك التفاهم حاضراً لدى مُحلّلي بغداد. إذ يَعتقد هؤلاء أن الاتفاق الأمني هو مكسب كبير لإيران التي لا تحتمل تهديداً أمنياً لها من الداخل العراقي، مِثل ذلك الذي مثّلته الأحزاب الكردية الإيرانية. وهم يرون أنه يمكن لهذا الاتفاق أن يحدّ من تأثير القوى الخارجية التي كانت تستخدم تلك المنطقة لتهديد الأمن الإيراني، مِن مِثل الولايات المتحدة وإسرائيل، وبعض دول الخليج، فيما يُعتبر تحييد العنصر الخليجي، والذي يؤمّنه إعلان بكين، كافياً بالنسبة للأكراد، وبخاصة لـ«الديموقراطي الكردستاني»، لتبرير اتّفاق أمن الحدود، حتى وإن كانت العلاقة بين الحزب وأميركا ستبقى قائمة، باعتبار أن الشكل الموسّع الذي تمارس الأحزاب الكردية سلطتها في الإقليم بموجبه، يقوم على الدعم الأميركي.
وفي هذا الإطار، يرى القيادي في «ائتلاف دولة القانون»، عباس المالكي، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «أحد أهمّ أسباب زيارة شمخاني لبغداد هو أن إيران بدأت، بعد اتّفاقها مع السعودية، تتحرّك لضبط إيقاع الأمن في المنطقة باعتبار أنها دولة لها ثقلها الإقليمي، وهي تسعى لأن تشهد المنطقة، وخصوصاً في ما يتعلّق بحدود الجمهورية الإسلامية، استقراراً أمنياً حتى لا تَدخل في مشكلات مع جيرانها». ويلفت المالكي إلى أن «إقليم كردستان شكّل في وقت من الأوقات نقطة تحدّ للأمن الاستراتيجي الإيراني من خلال انطلاق مجاميع مسلّحة مناوئة للجمهورية الإسلامية، ووجود معسكرات استُخدمت للقيام بعمليات تخريبية داخل العمق الإيراني»، مضيفاً أن «هذه التحدّيات الاستراتيجية نظرت إليها إيران بعين القلق، لأنها تعتقد أن وجود مجاميع في شمال العراق خارج سيطرة حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية، تعمل على زعزعة الأمن في إيران وتحظى بدعم خارجي من أعدائها، هو خطر داهم يهدّد أمنها القومي». ومن هنا، «سعى شمخاني، بعد عقْد الاتّفاق مع السعودية، إلى ترتيب الأوضاع الأمنية على الحدود العراقية - الإيرانية، وطالب الحكومة الاتحادية بوضع ضمانات بعدم وجود خرق أمني من الطرف العراقي، فيما أبدت الحكومة العراقية استعداداً لذلك»، بحسب المالكي، الذي يشير إلى أن «الجمهورية الإسلامية تَعتبر العراق جاراً مهمّاً ومنفذاً تجارياً لها، وبالتالي هي تسعى لإيصال رسائل إلى الآخرين بأن العلاقات معه جيّدة ومثمرة، وأنها تسعى لأن يكون مستقرّاً وآمناً، وبخاصة إلى أولئك الذين يسعون إلى الإيحاء بأن هناك انقسامات أو خلافات أو عدم وحدة عراقية في الموقف من الجمهورية الإسلامية».