بغداد | منذ شهر تقريباً، أخفق مجلس النواب في عقْد أيّ جلسة تتضمّن التصويت النهائي على قانون انتخابات مجالس المحافظات والنواحي والأقضية بصيغته القديمة، تمهيداً لإجراء الانتخابات المحلّية في تشرين الثاني المقبل. إخفاقٌ مردّه الرفض الواسع للقانون من قِبَل الحركات الناشئة والقوى المدنية والمستقلّة التي تراه مفصّلاً على مقاس الأحزاب الكبيرة. ومع تمكّن الكتل المؤيّدة، أوّل من أمس، من تمرير المشروع بحضور 189 نائباً من أصل 329، جدّد نواب مستقلّون تنديدهم به، وتعهّدوا باللجوء إلى المحكمة الاتحادية لتقديم طعن على أساس عدم شرعية التصويت، والذهاب إلى خيار التصعيد الاحتجاجي. وكان هؤلاء، وعددهم نحو خمسين، اقتحموا قاعة البرلمان خلال جلسة التصويت، ما دفع رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، إلى استدعاء عناصر الأمن المخصّصين لحماية المجلس، للتدخّل وإخراج بعض النواب، لغرض استكمال عملية التصويت على الفقرات المتبقّية. ومن جهتها، توعّدت «اللجنة المركزية للتظاهرات» بنصب الخيم في بغداد وباقي مدن البلاد الأخرى، تمهيداً لاعتصام مفتوح إلى حين التراجع عن القانون.ويرى النائب المستقلّ، عامر عبد الجبار، أن «القانون مُرّر بالقوة، ومن دون احترام إرادة الجماهير»، وأن «رئاسة مجلس النواب تعاملت مع المستقلّين بطريقة غير لائقة». ويؤكد عبد الجبار، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «مسارنا القادم هو الذهاب إلى المحكمة الاتحادية للطعن في دستورية الجلسة، لأنها كانت أشبه بالمعركة... وتمّ التصويت على فقرات القانون بشكل غير شرعي»، داعياً جميع العراقيين، بمن فيهم الحركات الناشئة، إلى رفْض القانون «الذي لا يمثّل تطلّعاتهم»، معتبراً أن «قوى ائتلاف إدارة الدولة استغلّت غياب التيار الصدري عن المشهد السياسي، وصارت تتحكّم بمستقبل العراق». وفي السياق نفسه، يجزم رئيس «حركة امتداد» المنبثقة من «حَراك تشرين»، أن «القانون لن يمرّ طالما أعطينا الوعود لشهداء ثورة تشرين العظيمة»، مضيفاً، في حديث إلى «الأخبار»، أن «ثوار العراق لم يسكتوا عن حقّهم ولا باستطاعة الكتل السياسية أن تسلب استحقاقهم الانتخابي من خلال قانون جاء بالقوة وليس بالطرق الديموقراطية والقانونية التي كفلها الدستور».
وفي الاتّجاه نفسه، يقول النائب المستقلّ، أمير المعموري، لـ«الأخبار»، إن «القانون مرفوض جملة وتفصيلاً»، و«(إنّنا) سنتوجّه إلى تقديم الطعن، ولدينا ما يثبت عدم دستورية الجلسة الخامسة عشرة، وكذلك الجلسة التي تليها، والتي اتّفقت القوى التقليدية جميعها على مصادرة إرادة الشعب في خلالها، فضلاً عن تسجيلنا ملاحظات ومؤاخذات عديدة على فقرات القانون». ويشير المعموري إلى أن «هناك مادّة ملغومة تسمح لِمَن ارتكب الجرم وفق المواد 331 و332 و337 بأن يشارك في الانتخابات وإنْ كان محكوماً لسنة، وهذا لم يكن موجوداً سابقاً». وإذ يرى أن «هناك الكثير من المواد التي يجب تداركها قبل الدخول في مأزق كارثي قد يتضرّر منه الشعب العراقي»، فهو يعتقد أنه «سيكون هناك حَراك سياسي وشعبي قوي يطالب بإلغاء القانون الذي رفضتْه المرجعية سابقاً». أمّا النائبة ديلان غفور عن «الاتحاد الوطني الكردستاني»، فتلفت إلى أن «ثمّة نقاطاً خلافية حول المشروع، من بينها موضوع محافظة كركوك وكيفية إجراء الانتخابات فيها»، مضيفة أن «المكوّنات العربية والكردية والتركمانية تأمل في أن نصل إلى صيغة معيّنة ترضي الجميع»، مشيرةً إلى أن «هناك اتّفاقاً مبدئياً على الموضوع، لكنه بحاجة إلى إعادة النظر بين المكوّنات، ليكون هناك قرار نهائي، ولا سيما بخصوص المادة 35 من القانون».
المعارضة تتعهّد باحتجاجات «أقوى من تشرين»


في المقابل، يصف النائب عن «تحالف الفتح»، وليد السهلاني، «قانون انتخابات مجالس المحافظات بأنه من أهمّ القوانين، على رغم الجدل الحاصل حوله من ِقَبل القوى السياسية»، معتبراً أن «النوّاب المنحدرين من الكتل المستقلّة المختلفة لم يراعوا الاتّفاقات السياسية ولم يقبلوا بصيغة القانون الذي سوف يحقّق العدالة للجميع». ويَلفت السهلاني، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «التصويت على القانون الحالي جاء بناءً على قرار المحكمة الاتحادية التي ألزمت مجلس النوّاب بإجراء تعديل القانون وتطبيق العدّ والفرز اليدوييْن وكذلك الإلكتروني، بعد الاعتراض الحاصل من قِبَل قوى الإطار التنسيقي»، معرباً عن اعتقاده بأن «مسوّدة القانون سليمة، ومخرجاته شبه إيجابية، وستُحقّق المساواة بين الناخبين وأيضاً بين المرشّحين سواء من الكتل الكبيرة أو المستقلّة، وستكون الدائرة الواحدة أفضل من المتعدّدة لأن في الأخيرة هدراً كبيراً للأصوات. والقانون بكلّ الأحوال سيكون سارياً».
على أن الناشط المدني، أحمد خضير، يحذّر القوى السياسية من احتجاجات قادمة ستكون أقوى من «تشرين»، لافتاً إلى أن جميع المحافظات، ومن خلال اللجان والجهات التنسيقية، ستكون لها وقفة احتجاجية «تقتلع النظام الفاسد من جذوره، لأنهم لم يأخذوا العبرة من احتجاجات تشرين التي أرعبتهم». ويعرب خضير عن اعتقاده بأن «التيّار الصدري» «لن يبقى ساكتاً في حال تطوّرت الأمور أكثر، ونحن كحركات مدنية وشعبية لا مانع لدينا من التحاق الصدريين بصفوف المحتجّين، لأن المصلحة وطنية وليست حزبية أو من أجل سلطة، وإنّما خروجنا من أجل وطن استلبتْه أحزاب الفساد والخراب».
يُذكَر أن نظام «سانت ليغو» الذي اعتمده البرلمان أخيراً، هو طريقة عالمية لتوزيع المقاعد في القوانين الانتخابية التي تعمل بنظام التمثيل النسبي، وتقتضي أن يتمّ تقسيم أصوات التحالفات على الرقم 1.4 تصاعدياً، وفي هذه الحالة تحصل التحالفات الصغيرة على فرصة للفوز. أمّا إذا زاد العدد، وأصبح، مثلاً، 1.5 أو 1.6 أو 1.7 الذي أقرّه مجلس النوّاب، فإن حظوظ الكيانات السياسية الكبيرة تتزايد على حساب الصغيرة.