بغداد | يُجري مجلس النواب العراقي جملة استضافات لوزراء ومسؤولين تنفيذيّين لمناقشة مشروع قانون الموازنة المالية، بهدف معالجة مشكلة نسبة العجز الكبيرة فيها، وتخفيض نفقاتها التشغيلية، إلى جانب حذف وإضافة بعض الفقرات والبنود التي تتعلّق بمخصّصات المحافظات العراقية، وخاصة تلك المنتِجة للنفط. وإذ حدّد «ائتلاف إدارة الدولة»، العاشر من أيار، موعداً نهائياً لإقرار المشروع، فإن المناقشات قد تمتدّ إلى ما بعد ذلك الموعد، لا سيما في ظلّ تمسّك قسمٍ من النوّاب بمطلب تعزيز الإيرادات، تلافياً لخطر اللجوء إلى الاقتراض الداخلي والخارجي، ووضع البلد في حالة مديونية مستقبلاً
وسط اعتراضات نيابية حول نسبة العجز وحجم النفقات التشغيلية، استضاف مجلس النواب العراقي، خلال الأيام الماضية، مجموعة وزراء أبرزهم، المالية طيف سامي، والتخطيط محمد علي تميم، والتربية إبراهيم نامس الجبوري، والتعليم العالي والبحث العلمي نعيم العبودي، والزراعة عباس جبر العلياوي، ومسؤولين ومستشارين عن وزارات أخرى وعدداً من المحافظين، للاستماع إلى ملاحظاتهم قُبيل التصويت النهائي على مشروع قانون الموازنة. ويعزو المؤيّدون لحكومة محمد شياع السوداني تضخّم أرقام هذه الأخيرة إلى أنها تأخذ على عاتقها دعم البرنامج الحكومي، وتوفير فرص عمل، وتأسيس مشاريع استراتيجية ضخمة، فضلاً عن اهتمامها بالجانب الخدمي للمواطنين. لكن اللجنة المالية النيابية تقول إنها تعمل على تخفيض النفقات التشغيلية، لا سيما في مجال الخدمات السلعية والاستهلاكية التي تضاعفت في بعض الوزارات، بالإضافة إلى تقليل نسبة العجز بنحو 25 تريليون دينار عراقي عن مجموعه الكلّي الذي يزيد عن 64 تريليوناً (48.4 مليار دولار)، علماً أن حجم النفقات الكلّية المقترَحة يبلغ 197 تريليوناً و828 مليار دينار (152 مليون دولار)، تشمل استثمارات بقيمة 47 تريليوناً و555 مليار دينار (36.5 مليار دولار).
وبينما يؤكد «تحالف إدارة الدولة» الداعم لحكومة السوداني أن حسم النقاشات حول بنود الموازنة سيكون كحدّ أخير في تاريخ الـ10 من أيار الجاري، يلفت عضو اللجنة المالية، معين الكاظمي، إلى أنه تمّت، حتى الثلاثاء، استضافة 5 وزراء في اللجنة، على أن يَجري الخروج بخلاصات من هذه اللقاءات خلال اليومَين المقبلَين. ويشير الكاظمي، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن الهدف من الاستضافات هو الخروج بتقرير يتضمّن الجداول المقدَّمة من الوزراء والمسؤولين والمحافظين في مسوّدة قانون الموازنة، في شأن المصروفات والنفقات التشغيلية والاستثمارية لكلّ وزارة، مضيفاً أن «أكثر الوزراء يطالبون بزيادة لاحتياجاتهم، لكن يتمّ الأخذ في الاعتبار الواقع الموجود، وإمكانية توفير السيولة اللازمة». ويوضح أنه «من خلال مراجعة تفاصيل كلّ دائرة من هذه الدوائر، تكون لدى اللجنة المالية صورة واضحة عن إمكانية تقليص بعض الأبواب وإجراء المناقلة وتخفيض العجز، وبالتالي حصيلة نهائية تؤدّي دورها في تنفيذ البرنامج الحكومي، مع الأخذ في الاعتبار الإيرادات المالية للعراق لهذا العام، والإضافات التي يمكن أن تضاف لسدّ العجز»، متابعاً أن «النقاشات الحالية بين اللجان النيابية هي لتخفيض النفقات وتخفيف الأعباء عن كاهل الحكومة وما يترتّب عليها من اقتراض، والسعي لكي لا يكون هنالك اقتراض من الخارج، وإنّما فقط من المصارف الداخلية».
اللجان النيابية تسعى إلى خفض هوّة العجز الكبيرة البالغة 48 مليار دولار


من جانبه، يرى رئيس كتلة «النهج الوطني»، أحمد الربيعي، أن «عقد الجلسات هو من المؤشّرات الإيجابية، خاصة وأنها تناقش مع اللجنة المالية واللجان القطاعية المختصّة استحقاق الوزارات والشركات وتضمينها في الموازنة». ويؤكّد الربيعي، لـ«الأخبار»، أن «حكومة السوداني عازمة على تنفيذ البرنامج الحكومي الذي ينتظر إقرار الموازنة»، مطَمئناً بأن «أغلب الفقرات الموجودة في القانون هي لغرض تقديم الخدمة للمواطنين، وتوفير الوظائف للعاطلين عن العمل». ويستدرك بأن «تقليل النفقات الكبيرة، وكذلك خفض نسبة العجز، هما من ضمن رؤية الجهتَين، النيابية التشريعية والحكومية التشريعية، لإنضاج الموازنة بصورة متكاملة بعيداً عن الأخطاء السابقة»، مضيفاً أن «نسبة العجز ستنخفض، بعد أن يتمّ تقليل النفقات التشغيلية، بما يخدم مصلحة جميع المحافظات العراقية، لا سيما الأشدّ فقراً وهي الوسطى والجنوبية».
لكن عضو لجنة العمل والشباب والرياضة النيابية، أمير المعموري، يرى أن «نسبة العجز كبيرة»، وأن ثمّة «مبالغة في النفقات التشغيلية»، ولذا «قمنا باستضافة كلّ وزير لمناقشته ومعرفة احتياجات وزارته». ويشدّد المعموري، في حديث إلى «الأخبار»، على ضرورة «تقليل النفقات وترتيب الأولويات وشمول شرائح المجتمع المهمّة في الموازنة»، معتبراً أن «من أولويات العمل عدم التبذير وعدم صرف الأموال في غير مواضعها، وهو السبب الذي يجعلنا نرى الكثير من المشاريع المتلكّئة». كما يرى المعموري أن «ترشيد الإنفاق وتعظيم الإيرادات من خلال الموانئ والمنافذ وغيرها من المشاريع غير النفطية، هو ما يزيد من فرص نجاح حكومة السوداني التي تطلق على نفسها اسم حكومة خدمات، إن كان برنامجها فعلاً قائماً على توفير الخدمات وتطوير البنى التحتية والمشاريع». وفي هذا السياق، تلفت عضو لجنة الزراعة والمياه والأهوار، النائب ابتسام الهلالي، إلى أن «السوداني أعطى اهتماماً كبيراً لوزارة الزراعة وكذلك الموارد المائية، لغرض بناء مشاريع تخدم القطاع الزراعي الذي يعاني منذ سنوات طويلة»، مدرجةً «الاستضافات والمناقشات مع الوزراء» في إطار «منع وقوع الظلم على أحد، لا سيما أن هناك بعض الوزراء والمسؤولين الذين يتّخذون من عدم وجود مخصّصات مالية ذريعة لعدم تقديم أيّ إنجاز طوال السنة، ولم تكن لهم نشاطات واضحة تفيد المصلحة العامة».
بدوره، يوضح الخبير الاقتصادي، نبيل جبار التميمي، أن ما تقوم به اللجان النيابية الغرض منه استطلاع النفقات الحقيقية ومقارنتها بما هو مُقدَّم من قِبل الحكومة في قانون الموازنة. ويضيف، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «إجراء المناقلات ودراسة إمكانية تحمّل الموازنة، وكذلك إجراء تخفيض بما يتلاءم مع احتياجات البلاد، هو من أجل عدم الوقوع في هوّة العجز الكبيرة، وبالتالي المديونية التي ستضطرّ الحكومة بسببها إلى اللجوء إلى البنوك العالمية للاقتراض لسدّ النقص».