باستثناء عقدَي سوكلين وميز، بلغت قيمة العقود التي وقّعها مجلس الإنماء والإعمار بين عامي 2007 و2019 نحو 4.8 مليارات دولار توزّعت على 270 مشروعاً فازت بها 82 شركة تعهدات ومقاولات.هناك أربع فئات استحوذت على هذه العقود:
ــ الفئة الأولى للعقود التي تفوق قيمتها 100 مليون دولار: بلغت القيمة الإجمالية لهذه العقود 3.55 ملايين دولار واستحوذت عليها 14 شركة فقط.
ــ الفئة الثانية للعقود التي تتراوح قيمتها بين 50 مليون دولار ولغاية 100 مليون دولار: بلغت قيمة العقود الإجمالية 278.5 مليون دولار واستحوذت عليها أربع شركات.
ــ الفئة الثالثة للعقود التي تتراوح قيمتها بين 10 ملايين دولار ولغاية 50 مليون دولار: بلغت قيمة العقود الإجمالية 808.7 ملايين دولار واستحوذت عليها 27 شركة.
ــ الفئة الرابعة للعقود التي تقلّ قيمتها عن 10 ملايين دولار: بلغت قيمة العقود الإجمالية 173 مليون دولار واستحوذت عليها 37 شركة.
من أصل 82 شركة فازت بالعقود، هناك 45 شركة أو تحالف شركات فاز بعقد واحد فقط ولم يتمكّن من المشاركة أو الفوز بأيّ عقد جديد طوال السنوات الـ13 الماضية. ومن بين الشركات التي فازت لأكثر من مرّة وعددها 37 شركة، تبيّن أن 12 شركة استحوذت على حصّة متواضعة من العقود لا تزيد نسبتها عن 1.3% أو ما يوازي 62.3 مليون دولار.
هذا التركّز المرتفع في تلزيمات المجلس يعكس حقيقة متداولة عن وجود شراكة ما بين الطبقة السياسية وشركات المقاولات. فالمجلس عبارة عن مجموعة من مندوبي القوى السياسية، والشركات هي الأدوات التي تؤمّن لهم مصالح زبائنية ــ مالية وتحقّق لأصحابها أرباحاً سخيّة من المال العام.
تعليب المناقصات هو السمة الأساسية لهذا التركّز وعدم قدرة أكثر من 45 شركة المشاركة مجدّداً في مناقصات المجلس. هذا التعليب يتم عبر بنود في دفاتر الشروط تفرض على الشركات توافر معيار حاسم للسماح لها بالمشاركة في المناقصة أو استبعادها تلقائياً: الخبرة. غالبية دفاتر الشروط فرضت أن يكون لدى الشركات الخبرة على مدى عدد معيّن من السنوات (غالباً تكون خمس سنوات) في تنفيذ أشغال مماثلة للعقد المطروح للمناقصة. عدم الفوز بأيّ مناقصة في المجلس لفترة خمس سنوات متتالية يُفقد الشركة حقّها بالمشاركة. ربما تكون الشركة قد فازت في مناقصات لدى وزارة الأشغال أو لدى بلدية بيروت أو أيّ جهة رسمية أخرى، لكنها إذا لم تفُز ضمن عدد محدّد من السنوات بأيّ التزام أشغال من المجلس، فإنّها ستفقد حقّها في المشاركة.
هكذا، على مرّ السنوات بدأ يتقلّص عدد الشركات المشاركة أو التي يحقّ لها المشاركة في مناقصات تلزيمات مجلس الإنماء والإعمار، وبدأت المنافسة تصبح محصورة أكثر فأكثر بمجموعة من الشركات، فيما بات الفوز متركّزاً بيد مجموعة أصغر من الشركات. الجهة التي تحدّد شروط المشاركة، هي قيادة مجلس الإنماء التي يعدّ أركانها بمثابة مندوبين للقوى السياسية في المجلس. في بعض الأحيان تحدّد معايير المشاركة بالمناقصات بالتنسيق مع المموّل، وخصوصاً في المشاريع المموّلة من جهات خارجية تربط موافقتها على التمويل بإضافة بند في دفتر الشروط يُقصي عن المناقصة أيّ شركة محلّية صرف ويفرض عليها أن تكون متحالفة مع شركة أجنبية (غالباً تكون شركة من بلد المموّل).
على مرّ السنوات بدأ يتقلّص عدد الشركات المشاركة أو التي يحقّ لها المشاركة في مناقصات تلزيمات مجلس الإنماء والإعمار


إذاً، المعيار الذي يجب تأمينه للمشاركة في المناقصة لا يؤمّن المنافسة الحقيقية. فعلى الرغم من أن مجلس الإنماء والإعمار مؤسّسة مستقلّة في هيكلية القطاع العام ويتبع مباشرة لرئاسة مجلس الوزراء، إلّا أنه ليس كياناً مستقلاً بحدّ ذاته لتكون تصنيفاته للشركات ومعايير الاشتراك في المناقصات (بنود الخبرة وحجم الأعمال المتراكم وسواها) مستقلّة عن تصنيفات الجهات الحكومية الأخرى مثل وزارة الأشغال والبلديات، ووزارة الطاقة والمياه… لماذا ليس هناك تصنيف موحّد لكلّ الشركات في لبنان يمسح لها بالتقدّم إلى كلّ المناقصات الرسمية؟ أصلاً من هي الجهة التي يجب أن تصنّف؟ في الواقع، كلّ جهة لديها دكانها أو هم شركاء في دكان واحد، وكلّ دكان لديه مموّليه وشركاته، لكن الدكان الأكبر هو في مجلس الإنماء والإعمار وفي وزارة الأشغال العامة حيث قيم المناقصات وخطوط التعامل معها أصبحت مكشوفة ومعروفة سواء نفذت مناقصات عمومية أو استدراجات عروض محصورة. في النتيجة، إن هيمنة مجموعة من الشركات على تلزيمات مجلس الإنماء والإعمار ووزارة الأشغال والهيئة العليا للإغاثة وبلدية بيروت واضحة للعيان من خلال التركّز في العقود بيد شركات معينة تعمل في مناطق معينة. هذا التركز يعكس تمازج رأس المال مع المصالح المالية للطبقة الحاكمة. بمرور الوقت، تزداد حدّة هذا التمازج، وتتوسّع الشركات أكثر فأكثر وتصبح أكثر قدرة على حسم التلزيمات لمصلحتها بأدنى جهد ممكن.