قبل عشرة أيام، عُقد اجتماع في القصر الجمهوري حضره الرؤساء الثلاثة: ميشال عون، نبيه بري وحسان دياب. يومها صرّح الرئيس برّي بشكل مفاجئ بما اتفق عليه لجهة «خفض قيمة الدولار مقابل الليرة ابتداءً من اليوم إلى ما تحت الـ 4000 ليرة وصولاً إلى 3200». وعندما سئل عن إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أجاب: «نحن بحاجة اليوم الى جميع الناس، ولسنا بحاجة الى الاستغناء عنهم». فإلى أي مدى تُعدّ حماية الليرة من اختصاص المجتمعين، وهل كان الاجتماع مخصّصاً لحماية الليرة أو لحماية سلامة سلامة؟- هذا الاجتماع الذي عُقد في بعبدا، يُعدّ مخالفاً لمبدأ الدستور والمؤسسات وللأعراف أيضاً. فبأي صفة يجتمع رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة لتحديد سعر الصرف الدولار؟ بأي صفة يجتمعون لتحديد السعر؟، رغم أن قانون النقد والتسليف أناط بمصرف لبنان السهر على سعر صرف الدولار والحفاظ على قيمة الليرة اللبنانية. هذا الاجتماع يدل على أن البلد خالٍ من المؤسسات ومن المفاهيم القانونية والدستورية. هذا الاجتماع ليس من حقهم. لا بل بدا كأن رئيس السلطة التشريعية يتلو بيان تحديد سعر الصرف. هذا أمر مشين لبلد يدّعي الديمقراطية والمؤسسات. هذا الاجتماع يجب أن يكون غير موجود، وهو مطعون في شرعيته.

(مروان بو حيدر)


ألا تستدعي الظروف الطارئة هذا النوع من الاجتماعات والقرارات التي ستُترجم بقرارات في مجلس الوزراء لاحقاً؟
- عندما يتقلّب سعر صرف الدولار نزولاً أو صعوداً، فإن مصرف لبنان بحسب قانون النقد والتسليف يتصدّى لهذه المهمة. وإذا كانت الظروف الاستثنائية والطارئة هي حجّة هذا الاجتماع، فكان الأجدر بالسلطة التشريعية أن تقترح وتناقش وتصدر تشريعاً يفرض تحديد سعر الدولار بشكل قسري، ونقطة على السطر. فمن يخالف قانون كهذا يُسجن. أما ما دام نظام لبنان الاقتصادي حرّاً، فلا يمكن تحديد سعر الصرف بهذه الطريقة، بل هي السوق التي تحدّد السعر استناداً إلى آلياتها المعروفة المتصلة بالعرض والطلب. هم اليوم يحلّقون في أجواء لا دخل لهم بها. يمكن تغيير النظام الاقتصادي في مجلس النواب. سواء ذلك يعدّ عنتريات لا قيمة لها. لا يمكن تحديد سعر الصرف اليوم إلا عبر التدخّل في السوق بواسطة الوسائل المتاحة في الأدوات النقدية.

إذاً، الاجتماع كان مخصّصاً لحماية حاكم مصرف لبنان وليس لحماية سعر الصرف؟
- نعم، وبالتحديد من قبل رئيس مجلس النواب الذي يسعى لحمايته في إطار التكتيك السياسي. إذا كانوا يريدون السهر على حماية سعر الليرة، فقد كان لزاماً عليهم مساءلة مصرف لبنان في مرحلتين: مرحلة التسعينيات عندما ارتفعت أسعار فائدة سندات الخزينة إلى 45%. كان يجب أن نعلم من هي الطغمة الحاكمة التي استفادت من هذا الارتفاع. ومرحلة الهندسات المالية التي بدأت في عام 2016 بربح للمصارف بقيمة 5،5 مليارات دولار.
ألم يكن الأجدر بهم مساءلة سلامة في ذلك الوقت؟ أليس مجلس النواب هو الطرف الوحيد الذي يمكنه مساءلة سلامة؟ لماذا لم يقم بدوره؟ في الواقع، إن السلطة التشريعية أعطت الحاكم أدواراً أوسع بكثير من دوره وأولته صلاحيات إدارة مؤسّسات لا دخل له فيها بل طابعها تجاري فيما دوره إدارة السياسات النقدية بأهداف واضحة، لذا ليس مستغرباً أن نصل اليوم إلى وضع يرسم فيه رئيس السلطة التشريعية خطاً أحمر على حاكم مصرف لبنان.
ليست هناك غايات شخصية ضدّ أحد، لكن هذا في المبدأ متعلق بعمل المؤسسات في لبنان.

برأيك هل يمكن التحكّم والسيطرة على تدهور سعر الصرف من خلال حلول أمنية وقضائية وسياسية؟
- لا يمكن التحكّم بسعر الصرف بواسطة «الكرباج». إذا كانت لدينا الأموال لضخّ الدولار يمكن تجميد سعر الصرف، لكن إذا لم نكن نملك الدولارات لضخّها في السوق، فإن الدولار سيأخذ حدّه الأقصى. أخاف من ارتفاع سعر الدولار بدرجات أعلى بكثير لأنه ليست لدينا إمكانات ماديّة للدفاع عنه.
وظيفة حاكم مصرف لبنان أن يتعاطى مع المصارف. لماذا لم يعط المصارف لتدفع للمودعين. محاولة إعادة توجيه الدولارات من شركات التحويل إلى الصرافين، هي تشبه النظام القسري أو ما يمكن تسميته كابيتال كونترول غير مشروع. أين كل الجوائز التي سُلّمت للحاكم، ولماذا تريد الطبقة السياسية أن تتبرّأ من مسؤولياتها التاريخية؟

وإذا ذهبنا في اتجاه فرض تحديد السعر قسرياً؟
- الدول التي ربطت عملتها بالدولار انهارت. خذ البرازيل مثالاً، وحتى سنغافورة. كان صعباً على هذا الدولار التماشي مع الدولار، ونحن في لبنان ربطنا الليرة بالدولار لمدة 25 سنة على سعر 1500 بشكل اصطناعي. اليوم نتألم. ولا شكّ أيضاً بأن الصراع النقدي والمالي تحوّل إلى صراع سياسي دولي، ما يعني أنه لا يجب أن نضحك على أنفسنا بل علينا أن نتحمّل سعر صرف مرتفعاً. هذا المسار أوصلتنا إليه سياسات نقدية وعامة اتُّبعت خلال عقدين ونصف عقد من الزمن.

* نائب سابق لحاكم مصرف لبنان