لو صدر تقرير مدققي الحسابات بشأن بيانات مصرف لبنان المالية لعام 2018 في وقته وبرأي واضح يفسّر التفاصيل والشوائب الموجودة فيه ويفنّد المخالفات لقانون النقد والتسليف، وتجاهل للمعايير الدولية، لكان ممكناً اكتشاف الأزمة باكراً ، بما يتيح معالجتها لو توافرت الإرادة، أو التخفيف من حدّة وطأتها. فمن الواضح، أن ملامح الأزمة كانت ظاهرة منذ سنوات، لكن مصرف لبنان لم يكن شفافاً تجاه ذلك، ولم يكن على قدر من المهنية والمسؤولية التي أولاه إياها قانون النقد والتسليف، بل ظنّ أنه فريد من نوعه فدمّر استقرار النقد اللبناني وشغل نفسه بهندسات مالية والإفراط في توظيف المال العام، وخصّ شركات ومصارف بمساعدات تميّزهم عن غيرهم... هذا كلّه واضح في البيانات المالية لعام 2018، فمن يحاسب المسؤولين في مصرف لبنان وأولهم حاكم المصرف على التوجه لمدّة عقود بعكس ما هو مطلوب قانوناً لتأمين مصلحة الشعب اللبناني؟ وما هي الأسباب الحقيقية التي دفعت بحاكم مصرف لبنان للقيام بهذه المخالفة الكارثية؟


مهمة التدقيق الخارجي وأداء الشركات الأربع الأكبر في العالم
ليست المرة الأولى التي يظهر فيها اسم إحدى أكبر أربع شركات تدقيق عالمياً في ملف تدور حوله كارثة مالية كان يمكن تفاديها. فالإعلام الغربي يتسابق لنشر تفاصيل هذه الملفات والكشف عن الإهمال الجسيم لمدققي الحسابات في أعمال التدقيق التي يقومون بها. تعثّر شركة «إنرون» بتداعياته على الأسواق المالية، يُعدّ مثالاً على أهمية مهنة التدقيق وأنظمة الرقابة الداخلية الضرورية لردع المخالفات وحماية حقوق المساهمين والمودعين والمتعاملين مع هذه الشركات والمصارف والمؤسسات المالية أو العامة. فضيحة «إنرون» وحدها أزالت من الوجود شركة «آرثر أندرسون» التي كانت أكبر شركة تدقيق في العالم. رغم ذلك لم تتّعظ شركات التدقيق، ولا سيما الكبرى. الطمع برهن أنه أقوى من ثقافة وانضباط النزاهة لدى عدد كبير من خبراء المحاسبة وشركات التدقيق. وما ملفا «شيتي» و«وايركارد» المتداولان أخيراً في «فاينانشال تاميز»، «إيكونوميست»، «الغارديان»، «نيويورك تايمز»، و«واشنطن بوست»، إلا مثال على تعثّر ثقافة النزاهة لدى شركة «ارنست أند يونغ». علماً بأن شركات التدقيق الكبرى الأخرى، لم تنجُ من مراقبة الإعلام الغربي. فالتقصير في واجباتها ومهامها وفق الأصول وارد في عدّة مصادر تدلّ على أن رصد أعمال شركات التدقيق موضوع مهمّ للصحافة الأجنبية. لكن من الواضح أن الرقابة على جودة الأعمال خلال قيام هذه الشركات بأعمال التدقيق للتأكد من تطبيقها لمعايير التدقيق الدولية، غير كافية لردعها عن التقصير وتجنيبها ملفات الفضائح.

«ديلويت أند توتش» و«إرنست أند يونغ» منذ 1993
رغم إخفاقات ومخالفات شركات التدقيق المكشوفة في الصحافة العالمية يومياً، اعتمد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة شركتي «ديلويت أند توتش» و«ارنست أند يونغ» منذ وصوله إلى حاكمية مصرف لبنان عام 1993، لتدقيق بيانات مصرف لبنان المالية وسائر بيانات الشركات التي يملك أسهمها أو يسيطر على قرارها. هذا ما صرّح به هو شخصياً في 2 أيار 2020 في مؤتمر صحافي أشار فيه إلى اعتماد الشركتين المذكورتين لمدّة لا تقل عن 26 عاماً، لافتاً إلى التزامه الشفافية والتدقيق في البيانات المالية. ردّد سلامة كلمة «شفافية» ما لا يقل عن 4 مرات، مؤكداً التزام مصرف لبنان بالمعايير المعتمدة لدى المصارف المركزية ومعايير المحاسبة للمصارف المركزية الاوروبية، وبأنه وفّر البيانات المالية للتدقيق وفق هذه المعايير التي تسمح، كما قال، بتصنيف جزء من الأعباء المرتبطة بتثبيت سعر الصرف على أنها موجودات، لكون المصرف يتوقع الاستفادة من تثبيت سعر الصرف في السنوات التي تلي إصدار البيانات المالية.

شبهة «الاستقلالية»
من المفيد التدقيق في تصريحات الحاكم ومطابقتها مع الواقع. تُعدّ «الاستقلالية» من أهم مبادئ التدقيق وأخلاقيات المهنة وفق معايير التدقيق الدولية والأميركية. فما يعطي البيانات المالية صدقية، أن يبدي رأيه فيها مدقق محترف بشكل مستقلّ عن الشركة وإدارتها التي تضع بتصرفه البيانات التي أعدّتها طبقاً لمعايير المحاسبة الدولية وما يختص بالقطاع الذي تنتمي إليه.
وبما أن الحاكم صرّح باعتماد شركتين للتدقيق منذ ما لا يقل عن 26 عاماً، يمكن التشكيك بـ«الاستقلالية»، شكلاً على الأقل. فحجم أعمال الشركتين يتأثّر كثيراً لو تخلّى مصرف لبنان عن خدماتهما في تدقيق بياناته المالية وبيانات الشركات التابعة له، وخصوصاً بعدما اتضح من بعض حسابات الشركات التابعة، أن مدققي الحسابات يحصلون على عقود استشارية أتعابها تفوق قيمة أتعاب التدقيق بأضعاف، علماً بأن الشركتين تحظيان بمهام التدقيق في عدد كبير من المصارف اللبنانية الساعية إلى إرضاء الحاكم.
عملياً، لم يعتمد سلامة المداورة بين شركات التدقيق اللبنانية الكفوءة بل حصر أعمال التدقيق بشركتين. وقد أثبتت دراسة تقارير مدققي الحسابات عن السنوات 2012 - 2015 لشركة كازينو لبنان التابعة لمصرف لبنان، أن «الاستقلالية» مفقودة في المضمون ما ينسف «الصدقية» أيضاً. فقد كشفت قرارات المدعي العام بشأن الكازينو، وجود هدر للمال العام، ولا سيما أن مدققي الحسابات قبلوا بتكليفهم بمهام التدقيق من مجلس الإدارة بعد تمنّعه عن الدعوة إلى الجمعية العمومية التي وحدها يحقّ لها تعيين مفوّضي المراقبة. هذا ما يكشف عن عدم التزام هاتين الشركتين بالقوانين المرعيّة الإجراء وتفضيل المصلحة الخاصة بدلاً من الانتظام بالقانون وأخلاقيات المهنة.
والبيانات المالية وتقارير مفوّضي المراقبة - مدققي الحسابات، لم تُنشر وفق الأصول مع التفاصيل والإيضاحات المفروضة تبعاً للمعايير الدولية منذ عام 2014، ما اضطر المراقبين إلى أن يسعوا للحصول عليها وفق ما سُمي «BDL leaks».

المعايير الأوروبية
لكن الأهمّ، أن التوجيهات الصادرة عن الاتحاد الأوروبي للمصارف المركزية اشترطت توافر أمرين للسماح بتصنيف جزء من الأعباء المرتبطة بتثبيت سعر الصرف على أنها موجودات: أن يكون القصد من التصنيف هو الاستفادة منها خلال فترة قصيرة لاحقة، وألا تقيّم مخاطر عدم تحقق ذلك بالمخاطر العالية. فمن الواضح أن مصرف لبنان لا يستوفي الشرطين بناء على المعلومات المتوافرة حول الاقتصاد الوطني، ونسبة الدين العام للناتج المحلّي، وتوقيت الاستحقاقات، وعدم توافر أي بريق إصلاحات لتخفيف أعباء الدولة بالحدّ الأدنى المطلوب لتحقيق الشرطين، وعلى ما هو وارد في البيانات المالية لمصرف لبنان التي تثبت تراكم أرصدة هذه السياسة الخاطئة على مدى سنوات.

توقيع معنوي أم مفوّض؟
رغم كل ذلك، وبعد الاطلاع على تقرير مدققي الحسابات المعتمدين من المصرف المركزي عن البيانات المالية لمصرف لبنان للسنة المنتهية في 31 كانون الأول 2018، نوثّق أهم الملاحظات على ما ورد في البيانات المالية والإيضاحات المرفقة بها، وعلى رأي مدققي الحسابات فيها. فقد تبيّن أن التدقيق في الحسابات موقّع في 30 حزيران 2020 من قبل الشركتين باسم الخبير المعنوي، ولم يذكر اسم الخبير المفوّض بالتوقيع خلافاً للتعميم الصادر عن وزير المال رقم 742/ص1 تاريخ 14/4/2002 وتحديداً في البند الثالث من الفقرة 8 بعنوان «توقيع الخبير». إذ يُفترض أن يوقّع تقارير مدققي الحسابات الخبير المفوض بالتوقيع باسمه الشخصي وليس باسم الشركة رغم وجود اسم شركة التدقيق قرب التوقيع أو على ترويسة الصفحة.
وكان المجلس المركزي لمصرف لبنان أقرّ البيانات المالية للسنة المنتهية في 31/12/2018 في آذار 2019، إلاّ أن أعمال التدقيق لم تنتهِ إلا بعد مرور سنة وشهرين، بينما صدر تقرير مفوض المراقبة في تموز 2020. هذا الأمر يثير سؤالاً أساسياً عن البيانات المالية وتقرير مفوض المراقبة للسنة المنتهية في 31/12/2019: متى تصدر؟

اتفاقيات إعادة الشراء العكسي
ورد في الإيضاحات المرفقة بالبيانات المالية الرقم 4 ما يدل على أن المصرف خسر 865 مليار ليرة عند استثمار 1824 مليار ليرة من دون أن يتم شرح ما حصل والأسباب التي آلت إلى ذلك. فما هي أسباب الخسائر وهل سُجّلت وفق الأصول في الخسائر؟ أم أن خفض الموجودات (Contra Asset Account) جاء بشكل غير منتظم ولم يعلق عليه مدققو الحسابات رأفة بالحاكم؟

عوائد لأجَل بفائدة لدى المصارف
ورد في الإيضاحات أن مصرف لبنان استثمر في 2017 بأدوات مالية تنتهي مدّتها في 2018 و2019 و2020. أما مدة الاستثمارات في عام 2018 لم تتعدَّ سنة 2020 مع انخفاض في المبالغ من 43,076 مليار ليرة في 2017 إلى 36,025 مليار ليرة في 2018. وبحسب المصارف المركزية الأخرى، فهي تعتمد على هذا النوع من الأدوات لتجلب الإيرادات إلى المصرف المركزي بالإضافة إلى مساعدة المصارف لتأمين سيولة الإقراض. فهل كانت بوادر عدم وجود سيولة كافية، سبباً لعدم زيادة الاستثمار في هذه الأدوات المالية في عام 2018؟ ألم يجد مدققو الحسابات أن في ذلك أمراً جوهرياً تجب الإشارة إليه في البيانات المالية بمعزل عمّا حصل في 2019 وتم ذكره في رأي مدققي الحسابات؟

توافر العملات الأجنبية
ورد أن الموجودات الأجنبية بالعملات الأجنبية انخفضت من 58,169 مليار ليرة في 2017 إلى 49,854 مليار ليرة في 2018. والموجودات المحلية بالعملات الأجنبية زادت من 4,191 مليار ليرة في 2017 إلى 6,798 مليار ليرة في 2018. ما يجعل مجموع الموجودات بالعملات الأجنبية 62,360 مليار ليرة في 2017 مقابل 56,652 مليار ليرة في 2018. ويقابلها في المطلوبات إيداعات بالعملات الأجنبية بلغت 94,671 مليار ليرة في عام 2017، ووصلت قيمتها إلى 101,183 مليار ليرة في 2018.

15,788 مليار ليرة

هي المطلوبات المسجّلة في حساب أعباء مالية ونفقات فوائد مؤجلة والتي لم يتمكن مدققو الحسابات من التأكّد من صحّتها، بل بدا أنه حساب يخزّن عمليات غير متجانسة شرّعها لنفسه حاكم مصرف لبنان بعيداً عن القانون وعن المعايير الدولية ثم جرت تصفيته لإخفاء حجم العمليات الحقيقية


تدل هذه الأرقام على أن العجز في العملات الأجنبية المسجّل لدى مصرف لبنان بحسب البيانات المالية يقدّر بمبلغ 32,311 مليار ليرة في 2017 وبمبلغ قيمته 44,531 مليار ليرة في 2018. فمن الواضح أن عوامل المشاكل المالية كانت ظاهرة منذ عدة سنوات. والمبالغ الموجودة في البيانات المالية لعام 2017 كافية لإنذار مصرف لبنان والسلطات اللبنانية بأن مرحلة الدولرة قد طالت أكثر من اللازم وبلا مبرّر.
هذا الأمر يأخذنا مباشرة إلى تطبيق قانون النقد والتسليف، ولا سيما أهم واجبات مصرف لبنان لحماية النقد اللبناني. هناك مبرّر كاف للاستنتاج بأن مصرف لبنان لم يقم بأي جهد تنسيق مع الدولة اللبنانية عبر وزارة المال أو رئاسة الحكومة للاستعداد للمرحلة الصعبة، وتحضير الخطة الانتقالية الضرورية لمعالجة الدولرة واتخاذ الإجراءات اللازمة قبل فوات الأوان وتفادي المفاجأة التي واجهت المودعين اللبنانيين بعدم قدرتهم على الحصول على أموالهم من المصارف ولا سيما بالدولار الأميركي في نهاية 2019 وخلال 2020. بل للأسف ورد في تقرير مصرف لبنان 2018 حول خفض الدولرة وحماية النقد اللبناني أن الدولرة على ارتفاع إلى 69.8% في 2018، مع تأكيده على واجبات مصرف لبنان «السعي إلى تعزيز الثقة بالعملة الوطنية والحد من الدولرة». فمن يحاسب المسؤولين في مصرف لبنان وأولهم حاكم المصرف على التوجه تماماً ولمدّة عقود بعكس ما هو مطلوب قانوناً لتأمين مصلحة الشعب اللبناني؟ وما هي الأسباب الحقيقية التي دفعت بحاكم مصرف لبنان إلى القيام بهذه المخالفة الكارثية؟

إيداعات من المؤسسات العامة
لم يتمكن مدققو الحسابات من التأكد من صحة الإيداعات المسجلة في البيانات المالية للمصرف بقيمة 4,661 مليار ليرة رغم متابعة مصرف لبنان مع المؤسسات العامة المطلوب منها تأكيد أرصدة هذه الإيداعات. فهل يُعقل ألا يتمكّن مصرف لبنان من التنسيق مع وزارة المال لتأكيد الأرصدة الموجودة لديه لصالح المؤسسات العامة، لكون التقرير يذكر التأكد من نسبة 38.8% فقط من الأرصدة، ولم يتمكن مدققو الحسابات من التأكد من نسبة 61.2% منها؟

إيداعات من المؤسسات المالية
كذلك لم يتمكن مدققو الحسابات من التأكد من أرصدة بقيمة 15,136 مليار ليرة من حسابات الإيداعات الخاصة بالمصارف والمؤسسات المالية. ماذا عن تقارير مفوّضي المراقبة لهذه المصارف، ألا تذكر قيمة مبالغ الأرصدة مع ومن مصرف لبنان في بياناتها؟

قيمة الاستثمار مع «شريك»
ورد في البيانات المالية أن مصرف لبنان له «شريك» وأن استثماره في هذا الشريك يسجّل في البيانات المالية وفقاً لقيمة الاستثمار في السوق. إلا أن مدققي الحسابات سجّلوا في الرأي الصادر عنهم أنه لم يتم تقييم المبلغ الوارد كاستثمار في هذا «الشريك» وأن البيانات المالية الخاصة بهذا الاستثمار لم تكن متوافرة. وبسبب ذلك، لم يتمكن المدققون من التحقّق من صحّة استثمار بقيمة 345 مليار ليرة. ولقد ورد في الإيضاحات أن مصرف لبنان يملك 35.18% من «شركة انترا للاستثمار ش. م. ل»، فهل يُعقل أن تكون قيمة حصّة مصرف لبنان في هذا الاستثمار لا تتعدى 345 مليار ليرة، وأنه تعذّر على مصرف لبنان الحصول على البيانات المالية لمن يصفه بالشريك في بياناته المالية؟ هل من المعقول بأنه لذلك لم يتمكن مصرف لبنان من تقييم حصّته في هذا المصرف أو الشركة المالية وفق السياسات المتبعة والمنصوص عنها في الإيضاحات الواردة من مصرف لبنان؟
أليست لجنة الرقابة على المصارف جزءاً من مصرف لبنان الذي يسجل احتياط نهاية خدمة أعضاء اللجنة في حساباته، وبذلك لديها قدرة على تزويد المصرف بالبيانات والمعلومات الكافية لإعادة تقييم استثمار مصرف لبنان في «الشريك» وفق السياسات المتبعة؟

موجودات من عمليات التبادل وطبع النقد اللبناني
لم يؤكد مدققو الحسابات صحّة تسجيل العمليات المالية في هذا الحساب الذي يبدو أنه يتضمن كلفة طبع النقد اللبناني وبعض العمليات المالية بشكل غير واضح ولا يعتمد أياً من مبادئ محاسبة المصارف المركزية أو المعايير المعتمدة منهم، سواء في الولايات المتحدة الأميركية، أو في المصارف المركزية الأوروبية التي أشار إليها الحاكم في تصريحه أمام الشعب اللبناني في 2 أيار 2020. لقد بلغت قيمة هذا الرصيد 40,169 مليار ليرة في 2018 مقارنة برصيد 30,000 مليار ليرة في 2017.

تصنيف الاستثمارات
لم يصنف مصرف لبنان استثماراته وفق المعايير المعتمدة في المصارف المركزية، ولا سيما الأوروبية التي أشار إليها في تصريحه في 2 أيار 2020.

سندات الخزينة اللبنانية
بلغ رصيد سندات الخزينة في الموجودات المدرجة في البيانات المالية 42,483 مليار ليرة لسنة 2017 وبلغ الرصيد 44,844 مليار ليرة لسنة 2018. ولقد ورد في الإيضاحات المرفقة بالبيانات المالية بأن هذا الحساب تضمن عمليات الهندسات المالية. في الواقع، تعمّد مصرف لبنان عدم توضيح هذه العمليات ولمصلحة من ثبتت نتائجها. كما لم يعلّق مدققو الحسابات على هذه القيمة، ولا سيما أن الهندسات المالية تعدّ مخالفة لقانون النقد والتسليف وليست من ضمن صلاحيات حاكم مصرف لبنان، بحسب المعلومات المتداولة عنها وبغياب تام للشفافية من مصرف لبنان حولها.
موجودات من تبادل العمليات والأدوات المالية وطبع الأوراق النقدية مقابل مطلوبات من مصروفات الفوائد المؤجلة وتكاليف التمويل الأخرى
خلافاً لما صرّح به حاكم مصرف لبنان في 2 أيار 2020 أمام الصحافة والشعب اللبناني، أكّد مدققو الحسابات أن البيانات المالية الخاصة بمصرف لبنان تُعَد بناء لما يريده حاكم مصرف لبنان وما يختاره. وأشاروا في معرض إبداء الرأي، إلى أن البيانات المالية لا تعتمد معايير المحاسبة الدولية من دون الإشارة إلى توجيهات الاتحاد الأوروبي للمصارف المركزية حول طريقة احتساب وتسجيل العمليات المالية على أسس واضحة ومعلنة بحيث يمكن لقرّاء البيانات المالية مقارنة هذه المعلومات واستنتاج ما يلزم حول المركز المالي للمصارف المركزية.
بل بكل وضوح أشار مدققو الحسابات في الرأي، إلى أن البيانات المالية مُعدة بناءً لمعايير المحاسبة الخاصة بمصرف لبنان الموثقة لدى مصرف لبنان والموافق عليها من قبل المجلس المركزي في قراره رقم 49/12/18 وتاريخه 11 نيسان 2018، من دون تحديد الفروقات الموجودة بين ما هو معتمد من مصرف لبنان وبين ما تعتمده المصارف المركزية الأوروبية أو الأميركية أو غيرها من المعايير، لتستخدم كوسيلة للمقارنة بين ما يواجه المصارف المركزية الأخرى.

مصرف لبنان لم يقم بأي جهد تنسيق مع الدولة اللبنانية لمعالجة الدولرة واتخاذ الإجراءات اللازمة قبل فوات الأوان


لعلّ هذه المعايير الخاصة بمصرف لبنان هي دليل آخر على التفرّد في القرارات من قبل حاكم مصرف لبنان والذي يحرم الخبراء والمعنيين من الشعب اللبناني من متابعة أعمال المصرف. كأن التضليل هو الهدف الأساس لتفادي أي مستوى من الشفافية.
فبحسب قرار المجلس المركزي، يقرّر حاكم مصرف لبنان قيمة طبع الأموال وثمن استقرار النقد كما يراهما هو شخصياً، بحسب ما ورد في الملاحظة رقم 23 من الإيضاحات المرفقة بالبيانات المالية (صفحة 62 الفقرة C).
منذ بداية عام 2003 يسجّل مصرف لبنان كلفة تثبيت سعر صرف الليرة في حساب المطلوبات من مصروفات الفوائد المؤجلة وتكاليف التمويل الأخرى والتي سجلت برصيد 16,486 مليار ليرة في 2017، وبلغت 15,788 مليار ليرة في 2018. كما يسجّل مصرف لبنان بناء على قرار الحاكم الشخصي، طبع الأموال وغيرها من الأكلاف في حساب الموجودات من تبادل العمليات والأدوات المالية وطبع أوراق النقد والذي بلغ رصيده 29,898 مليار ليرة في 2017 أما في 2018 فلقد زاد بنسبة كبيرة وسجّل برصيد 40,169 مليار ليرة.

لا شفافية
إن تقرير مدققي الحسابات حول البيانات المالية الخاصة بمصرف لبنان للسنة المنتهية في 31/12/2018 لا يزيد في الشفافية شيئاً، بل يدين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، على تفرّده في القرارات التي أوصلت النقد اللبناني إلى الانهيار وبشكل مفاجئ ومؤذٍ. لقد تخيّل الحاكم أنه فريد من نوعه مقارنة مع حكام المصارف المركزية حول العالم، فدمّر استقرار النقد اللبناني خلافاً لمسؤوليته الجوهرية، وشغل نفسه بالمصالح الخاصة والهندسات المالية وتوظيف الأموال العامة بشكل غير محافظ. وتملّك الشركات الخاصة واحتفظ باستثماره بالشريك من دون تبرير المنفعة لمصرف لبنان أو المصلحة العامة. كما خصّ بعض الشركات الخاصة وبعض المصارف بمساعدات تميزهم عن باقي الشركات اللبنانية وغير ذلك من أعمال تظهر آثارها في البيانات المالية لسنة 2018. ما يفسر حتماً لماذا لم ينشر حاكم مصرف لبنان البيانات المالية وفق الأصول وبشكل سنوي منتظم، كما يفسر لماذا لم يعتمد أسلوب المداورة بين مدققي الحسابات.

* نقيبة خبراء المحاسبة المجازين سابقاً، ورئيسة جمعية مدراء مؤهلون لمكافحة الفساد - لبنان



لجنة للرقابة أم للتغطية؟
غياب الحوكمة موضوع مهم ويتطلب دراسة كاملة وتعداد أماكن الخلل الذي أدى إلى الانهيار المالي والنقدي، إلا أنه يمكن لفت النظر إلى أن احتياطي نهاية خدمة رئيس وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف تسجل في حسابات مصرف لبنان، كما يسجل احتياطي نهاية خدمة حاكم مصرف لبنان ونوابه. لذا نرى أن مبدأ استقلالية لجنة الرقابة على المصارف غير متوافرة العناصر، ما قد يفسّر مع أمور أخرى عدم فعاليتها وعدم قيامها بواجبها عند إقفال المصارف خلال تشرين الأول والثاني 2019 بوجه المودعين العاديين وتهريب أموال المودعين «المميزين». كذلك، فإن هذا الأمر يفسّر عدم قدرة هيئة التحقيق الخاصة على تقديم اسم أي شخص أو مؤسسة هرّبوا أموالهم خلال مدة إقفال المصارف، ولا سيما أن حاكم مصرف لبنان يترأس هذه اللجنة المهمة أيضاً.


من يملك حقيقة الذهب؟
صرّح مدققو الحسابات بأنهم لم يتمكنوا من التأكد من وجود الذهب أو من صحّة قيمته الواردة في البيانات المالية بقيمة 10,610 مليارات ليرة والتي يفترض أنها موجودة في حوزة مصرف لبنان وليس لدى أي فريق ثالث. لكن بسبب «إجراءات أعاقت وصولهم إليه» للتحقّق من وجوده بالكمية المزعومة من حاكمية مصرف لبنان، ورد في رأي مدققي الحسابات أنهم لم يتمكنوا من التأكد من وجوده.
وبحسب الايضاحات المرفقة بالتقرير، فإن المصرف يسجّل الذهب بحسب السعر المنشور في الأسواق العالمية. أما قيمة الذهب المسجلة في البيانات الواردة من مصرف لبنان فهي 17,743 مليار ليرة في 2018 مقارنة مع رصيد 18,033 مليار ليرة في 2017. وكان سعر الذهب في نهاية 2017 قد بلغ 1291 دولاراً للأونصة، وفي نهاية 2018 بلغ 1279 دولاراً، كما بلغ في نهاية 2019 نحو 1514.8 دولاراً بحسب الأرقام المنشورة من الجهات المعنية دولياً. لكن مصرف لبنان اعتمد سعر 1297.08 دولاراً في نهاية 2017، و1276.22 دولاراً في نهاية 2018.
ورغم صدور تقرير مدققي الحسابات بعد 30 حزيران 2020، لم يذكر مدققو الحسابات زيادة سعر الذهب في 2019 ولا في 2020، رغم تأثير ذلك على البيانات المالية لمصرف لبنان. ولم يؤكدوا لنا إذا ما كان مصرف لبنان قد طبّق قانون النقد والتسليف لناحية وجود قيمة موجودات الذهب والعملات الأجنبية بنسبة تتعدى 50% من الأموال المتداولة، كما لم يؤكد مدققو الحسابات إذا ما كان مصرف لبنان يطبق القانون 86/42 الصادر بتاريخ 24 أيلول 1986 بما يخصّ عدم التصرف بالذهب من دون تشريع من البرلمان اللبناني يسمح بذلك. فمن يؤكد وجود الذهب في مصرف لبنان إذا كانت شركتا التدقيق المعينتان من قبل حاكم مصرف لبنان من 26 عاماً لا تؤكدان ذلك؟
تابع صفحات ملحق «رأس المال» على وسائل التواصل الاجتماعي:
فايسبوك
تويتر
إنستغرام

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا