توسع قطاع العقارات بسرعة لمواكبة النهضة الاقتصادية. وشجعت السلطات المحلية والإقليمية، التي تعتمد على مبيعات الأراضي العامة لجزء كبير من إيراداتها، على مزيد من التنمية، ما ساعد أيضاً على تحقيق الأهداف السنوية الطموحة للحكومات المركزية للنمو الاقتصادي. أي أن بيع أو تأجير الأراضي من السلطات المحلية إلى شركات العقارات كي تبني عليها المباني، ساهم في رفع إيراداتها. هنا، بات هناك 4 لاعبين في هذه الصناعة: السلطات المحلية، شركات العقارات، المصارف والمواطنين. هي حلقة تغذي نفسها، والجميع أراد تحقيق الربح. هذا الانفجار العمراني الذي يحتاج إلى المال كي يبقى على قيد الحياة، انفتح على المستثمرين الأجانب. تدفقت مليارات الدولارات من الخارج، وارتفعت المبيعات السنوية للسندات الخارجية المقوّمة بالدولار - أي تلك المباعة بشكل أساسي للمستثمرين الأجانب - من 675 مليون دولار في عام 2009 إلى 64.7 مليار دولار في عام 2020 (بحسب تقرير نشرته واشنطن بوست)، ما أدى إلى تضخّم عبء الفائدة. كان لدى المطورين نحو 207 مليارات دولار من السندات المقومة بالدولار المستحقة حتى أواخر العام الماضي، وهو ما يمثل نحو ربع مجمل المقترضين الصينيين.

للسيطرة على انفجار محتمل في السوق العقارية، قرّرت الحكومة الصينية التدخّل بشكل صارم، وأقرت ما سُمّي بـ«الخطوط الحمراء الثلاثة» في شهر آب من عام 2020. ونصت على أن الشركات العقارية يجب أن يكون لديها:
- ألا تتجاوز الالتزامات 70 في المئة من أصول شركات العقارات (باستثناء العائدات المقدمة من المشاريع المباعة بموجب عقد).
- ألا يزيد صافي الدين عن 100% من حقوق الملكية.
- ألا تقل احتياطيات الأموال عن 100 في المئة من الديون قصيرة الأجل.
عملياً، كان الهدف تقليل الاقتراض المتهوّر من خلال تحديد سقوف لالتزامات المطورين والديون والموجودات النقدية. هنا بدأت المشكلة. فالشركات التي لم يكن لديها نقود حقيقية لتغطية التزاماتها، وجدت نفسها في مأزق. وتخلّفت نحو 18 شركة عن سداد سندات خارجية بعد بدء الحملة الحكومية. وتم تصنيف مجموعة «China Evergrande»، أكبر مطوّر عقاري في البلاد، شركة متخلفة عن السداد لأول مرة في كانون الأول. ثم كرّت السبحة، وتخلفت شركات عقارية مثل «Kaisa Group Holdings Ltd» و«Sunac China Holdings Ltd». تعكّرت الأجواء، واهتزت ثقة المستهلك في مجال العقارات. والأخطر من ذلك كله، التحذيرات التي أطلقها الإعلام الغربي من احتمال انفجار فقاعة سوق العقارات الصينية، بعد اعتقادهم بدايةً أن الصين ستنقذ تلك الشركات من الهلاك.
في النتيجة، تباطأ نموّ قروض العقارات إلى أضعف وتيرة منذ أكثر من عقدين في نهاية آذار من العام الماضي، وتراجع البناء 14٪ في 2021 مقارنة مع العام السابق، وهو أكبر انخفاض في ست سنوات (قطاع العقارات في الصين يمثل ما يقرب من ربع الناتج المحلي الإجمالي). تكدست الشقق المهملة في ما بات يعرف بالشقق الشبح. وقدّر محللون أن المطورين الصينيين قد سلموا نحو 60% فقط من المنازل التي باعوها مسبقاً من عام 2013 إلى عام 2020 (البيع على الخريطة). كل هذه العوامل، أشعلت احتجاجات في الشارع رغم عودة بعض الاستقرار إلى هذه السوق. فتوقف هؤلاء عن دفع أقساط الشقق إلى المصارف كون شركات العقارات لم تبني حائطاً واحداً منها، أو أنها توقفت عن عمليات البناء فيها. وبحسب «بلومبيرغ»، يبلغ مجمل تلك الأقساط نحو 295 مليار دولار. هذا التطوّر دفع السلطات، إلى الوعد بتنظيم أكثر صرامة للمبيعات المسبقة، بالإضافة إلى فترة سماح على المدفوعات لبعض مشتري المساكن كانت قيد الدراسة. وحاولت بكين احتواء الأزمة، عبر تقديم 29.3 مليار دولار في شكل قروض خاصة لضمان تسليم مشاريع الإسكان المتوقفة إلى المشترين. كما قامت الحكومة بتعديل بعض القواعد لمحاولة استقرار الوضع. على سبيل المثال، كثّف البنك المركزي دعمه للعديد من المطورين المتعثرين وصدرت تعليمات للبنوك لضمان النمو في كل من الرهون العقارية السكنية والقروض للمطورين في بعض المناطق.
يمكن القول إن الحكومة الصينية امتصّت الأزمة، وأن أحجار الدومينو توقفت عن السقوط بعد مدّة قصيرة من بداية العرض.