الضرر اللاحق بالشركات الناشئة بسبب إفلاس «بنك وادي السيليكون» لا يمكن تعويضه بسهولة. فهذه الشركات كانت تتكّل على نظام تمويل لديه خبرة في التعامل مع خصوصياتها على مدى 40 عاماً. كان هو المصرف الوحيد الذي قدّم قروضاً لأولئك العباقرة الذين يبحثون عن تمويل لتنفيذ فكرة ما. والأمر لا يقتصر على ذلك، إذ كان هذا المصرف يشتري حصصاً من الشركات، ويموّل عمليات جارية للتشغيل وتسديد الفواتير، ويصمّم المنتجات ويروّج لها... بإفلاسه تيتّمت هذه الشركات.لا يُعرف أن هناك مصرفاً آخر غير «بنك وادي السيليكون» لديه اختصاص سوقي في إقراض الشركات التكنولوجية الناشئة. المبتكرون العباقرة الذين لم يكن لديهم أي فرصة في الحصول على تمويل من مصارف أخرى طردتهم لأن لا ضمانات لديهم لسداد القروض، لجأوا إلى هذا المصرف تحديداً الذي كان يدرس المشاريع ويخاطر في الإقراض والمشاركة، ويقوم بعمليات التسويق ويساعد في إدارة التدفقات المالية وفي بيع المنتجات. فعلى سبيل المثال، كانت قروض «بنك وادي السيليكون» بضمانة الإيرادات المتوقعة، ونماذج تمويل أخرى تنطوي على مخاطر أكبر. وهذا النوع من المجازفة أدّى إلى توسّع «الوادي» ليصبح كما هو عليه الآن «مركز قوّة» على حدّ تعبير جوناثان هيرشون الذي أدار علاقات عامة عالية التقنية على مدى 30 عاماً هناك. فمن زبائن المصارف أكثر من 2500 شركة ناشئة كلّها بُنيت على أفكار تكنولوجيا متطوّرة في مجالات متعدّدة، من البرمجة إلى الصحة والألعاب وعملة الكريبتو وغيرها. ومن أبرز المشاركات التي قام بها المصرف مع زبائنه المبتكرون، حصوله على شرائح من أسهم الشركات عند إطلاقها في الاكتتاب العام، مثل FitBit. ويملك المصرف حقوق شراء أكثر من 400 ألف سهم من Coinbase بقيمة دولار واحد للسهم، علماً بأن سعر سهم Coinbase يتجاوز 60 دولاراً.
في ظل هذا الواقع، كشفت الأزمة عن إشكاليات أساسية في عالم الشركات التكنولوجية الناشئة. فإلى جانب خسارتهم في الحصول على النصيحة بشأن التشغيل والتسويق والمحاسبة، بات يترتب عليهم أن ينشغلوا في البحث عن تمويل آخر. وفي سياق إفلاس «بنك وادي السيليكون» يبدو أن الفكرة الأكثر رواجاً تتعلق بتوزيع المخاطر مستقبلاً، وهذا يعني أنه بات يترتب عليهم فتح حسابات لإيداع أموالهم لدى أكثر من مصرف، وهذا أمر يخلق صعوبات في الحصول على القروض، ولا سيما أن هذه الفئة من الشركات سبق أن واجهت مشكلات في فتح حسابات جديدة في مصارف أخرى. أما الشركات التي كانت تخطّط للمستقبل مع هذا المصرف، فهي الآن عادت إلى مرحلة الصفر. وهذا الأمر يشمل تلك الشركات التي تلقّت نصائح من صناديق استثمارية بأن «بنك وادي السيليكون» على وشك الإفلاس ما أتاح لها سحب أموالها ونقلها إلى مصارف أخرى. عملياً، الخسارة لا تتعلق بالتمويل فقط، بل في الدعم المؤسساتي الذي كانت تحصل عليه شركات ناشئة لا علم لها بآليات التشغيل والتسويق، وليس هناك بديل واحد يقدّم كل هذه الخدمات. والشركات التي يترتب عليها دفعات للموردين ستجد مشكلات أيضاً على المدى القريب، أما الشركات التي كان المصرف يملك جزءاً من رأسمالها أو لديها شراكة ما معها، فهي مضطرة أن «تنظّف» صورتها سريعاً.
ومن أبرز شركات التكنولوجيا وعلوم الصحة والحياة التي قالت إن لها ودائع في المصرف هي:
- شركة «Roku»: تقدم خدمة بثّ تدفقي تشمل غالبية منصّات الترفيه والميديا. وقالت إن لديها وديعة بقيمة 487 مليون دولار.
- «BLOCKFI» وهي شركة إقراض للعملات المشفرة، لديها وديعة بقيمة 227 مليون دولار.
- «VIR BIOTECHNOLOG»، تقول شركة التكنولوجيا الحيوية إنها تحتفظ بحسابات تشغيل في «SVB» بنحو 220 مليون دولار.
- «Sunrun»، للطاقة الشمسية، قالت إن لديها ودائع نقدية لدى «SVB» يبلغ مجموعها 80 مليون دولار.
- «OAK STREET HEALTH INC»، وتعنى في مجال الرعاية الصحية، قالت إنها أخذت قرضاً من «SVB» بقيمة 300 مليون دولار ولم تحصل منه سوى على 75 مليون دولار.
- منصّة الألعاب «Roblox»: تقول إن لديها 150 مليون دولار في «SVB».
- شركة «Rocket Lab USA»: وتعنى في مجال إطلاق الصواريخ إلى الفضاء، ولديها نحو 38 مليون دولار.
- مجموعة «Circle» التي تدير واحدة من أكبر العملات المشفّرة المستقّرة في العالم «USDC»، قالت إن لها 3.3 مليار دولار في «SVB».
تبيّن أن هناك نحو 16 شركة في مجال التكنولوجيا وعلوم الحياة في أوروبا، لديها ودائع في فروع «SVB» بقيمة 190 مليون دولار


ولا ينحصر الأمر بالولايات المتحدّة، إذ إن تأثيرات «SVB» تمتّد إلى خارج الحدود الأميركية، إذ كان هذا المصرف مرغوباً من شركات التكنولوجيا في الصين والدنمارك وألمانيا والهند وكيان الاحتلال الإسرائيلي والسويد، ولديه فرع في المملكة المتحدة وبنك شقيق في الصين هو «SPD». اتفاقية الشراكة بين المصرفين تتيح لأي زبون إنشاء شركة «أوف شور» عبرهما خلال أسبوع واحدٍ فقط. ومن أبرز الشركات الصينية التي لديها ودائع في البنك الشقيق، هي: «BeiGene» واحدة من أكبر شركات الأدوية المضادة للسرطان في البلاد.
وحتى الآن، تبيّن أن هناك نحو 16 شركة في مجال التكنولوجيا وعلوم الحياة في أوروبا، لديها ودائع في فروع «SVB» بقيمة 190 مليون دولار، ومنها مجموعة «TRUSTPILOT PLC» الدنماركية التي تدير منصّة مراجعة (review) عالمية، وشركة «ديسيوتكس» التي تعنى بتزيد التكنولوجيا والحلول لصناعة الأدوية، «DIANOMI» التي تعنى بخدمات الإعلان الرقمي، و«GLANTUS HOLDINGS» وهي شركة خدمات سحابية مقرّها إيرلندا، و«ZEALAND PHARMA» وهي دنماركية وتعمل في تطوير الأدوية، ومجموعة الصيدلة (PHAR.AS)، و«PCI-PAL» للخدمات السحابية ومقرها المملكة المتحدة، و«TECHNOPROBE SPA» وهي شركة أشباه موصلات ومقرّها إيطاليا.