ـــ أين عمو؟
أجاب الولد الصغير الذي بدت عليه أمارات الخبث:
ـــ في السوق.
لم يذهب عمو إلى السوق. كان ينظر إلى غريمه ذي الجلباب المتسخ المبقع بزيت محرك السيارات أو زيت الزيتون (وهو يشتهي الخبز المغمس بالزيت)، من خصاص النافذة ويبتسم في خبث. يكبت الابتسامة الساخرة الخبيثة وكأنها الجمرة الخبيثة حتى لا تطيش، فيتردد صداها في أرجاء البيت. وعندها يسمعه غريمه فتحدث الطامة الكبرى: عراك بالأيدي والأقدام والأسلحة الفتاكة. كانت زوجه تراقب ملامحه وتغيرات مزاجه. بدا في البداية كئيباً ثم انفرجت أساريره، فهاجت وماجت إلى حين اختفاء خالو عن الأنظار. ودخل الولد الخبيث فاستقبله عمو ببشاشة لم تعهد فيه من قبل. رأى في ذلك فرصة لا تعوض كي يطلب من أبيه درهماً. وهو ما حدث، فحقق بغيته دون عناء. وعمو كان أذكى منه، إذْ لما رأى أن ما لم يأخذه غريمه سيناله الولد الخبيث، فرأى على سبيل صيانة مكاسبه أن يعالج أطماعه بعد أن يصفو ذهنه من مخلفات أزماته المالية. سأريك يا ولدي أنني عمو لا خالو.
ـــ ولدي؟
ـــ آه نعم، عمو..
ـــ اجلس. ففعل صاغراً لا يلوي على شيء.
ـــ إنك تعرف يا بني أنني مريض.
ـــ أجل عمو.
ـــ وأنني لا أعمل، فكيف تطلب مني أن أعطيك درهماً، وأنت تدري أن درهماً وآخر يساويان اثنين، وأن جيبي مثقوب..
ـــ لأنني قلت لخالو إنك ذهبت إلى السوق.
ـــ هذا حسن، ستقول له دوماً إن عمو في السوق.
ـــ أجل عمو. (يفكر ملياً) عمو؟
ـــ نعم يا ولدي.
ـــ سأخبره بأنك تكذب عليه. سأقول له إذا سألني عنك إنك هنا في البيت تشاهد التلفزيون.
ـــ ولِمَ تريد أن تفعل ذلك يا ابن عمو؟
ـــ لأنك تبخل علي.
ـــ آه منك يا ابن الجمرة الخبيثة (يفكر ملياً) سيكون لك ما تريد.

يرن الهاتف في بيت عمو، فيهرع إليه الولد بخفه معهودة فيه. أبواه الآن يشاهدان مباراة كرة القدم وهي تدور رحاها بين فريق العراق وفريق الولايات المت...
ـــ آلو .. من؟
ـــ أنا خالو.
ـــ آه ، خالو. ماذا تريد؟
ـــ هل عمو بالبيت ؟
ـــ دعني أرى إن كان في البيت أم إنه ذهب إلى السوق (يبتسم.. أما أبواه فيكشران عن أنيابهما.. كاخ كاخ).. لا، إنه غير موجود.
ـــ وأين ذهب عمو؟
ـــ إنه في أفغانستان.
ـــ وأين توجد أفغانستان؟
ـــ في شارع مارستان.
ـــ ومارستان؟
ـــ قبالة محطة مدريد الجوية.
ـــ محطة مدريد؟
ـــ أجل ، وهي لا تبعد عن قاعدة باغرام إلا بأمتار قليلة.
ـــ باغرام؟
ـــ قبالة مقهى السفراء.
ـــ أقلتَ مقهى السفراء؟
ـــ أجل، وهي لا توجد في أي مكان.
ـــ لا توجد. وأين أجدها يا ابن عمو اللعين؟
ـــ إنهما يكشران عن أنيابهما. إن أكلت أخبر الشرطة.
ـــ من هما؟ (أبواه يهددانه).
ـــ من هما؟
ـــ قلت إنهما يكشران عن أنيابهما.
ـــ آه، أجل، أعني مدريد وباغرام.
ـــ يا ابن عمو اللعين.
ـــ أجل، خالو.
ـــ قل لعمو إنْ قبضتُ عليه جعلته بيتزا في مطعم إيطالي.
ـــ مطعم إيطالي؟
ـــ هو الذي يوجد قبالة محطة الغابات.
ـــ غابة.
ـــ أجل، هما الآن مستلقيان على السرير يضحكان على غبائي.
ـــ ماذا تعني؟
ـــ عمو ولبوءته. هما في البيت، أليس كذلك؟
ـــ كلا. هما الآن في أفغانستان.
ـــ أفغانستان؟
ـــ هي التي توجد في مارستان..
يقبله أبوه عمو وين، وينظر إليه في اعتزاز. هو ذا الشبل الذي سيقود العالم إلى الخراب.

* قاص من المغرب