الشاعرة الفلسطينية كتبت نصاً سياسياً من حيث لا تدري
في مجموعة عزايزة التي قسّمتها إلى ثلاثة أجزاء "كتف اللّدية" و"قلب اللّدية" و"رحم اللّدية"، نعثر على توليفة فريدة تتشابك فيها الميثولوجيا مع الواقع، بنفس المقدار الذي تتشابك فيه النصوص الدينية ـ التي تُطوّعها وتلهو بها برشاقة ـ مع مفردات الحياة المعاصرة، يطالعنا نص غني بالإسقاطات والاستعارات والتناص، لا تتوانى فيه الشاعرة أحياناً عن الاستعانة باللغة الدارجة بل حتى الأهازيج الشعبية: "يا بعل يا قبطان/ صوتِ الرمح غَلَب/ الموجِة عِليت عالبيارة/ والعمارة/ داعسة عدالية العنب/ يابعل ياقبطان/ صوت الحَرِب غَلَب".
قد نضيع بين صوت "بعل" وأمه وصوت الشاعرة (هل هذا مقصود؟) لا يهم أن نعرف؛ طالما أننا سنبقى مدفوعين بدفق سردي غني ومكثف كانت ملامحه قد ظهرت في باكورتها الأولى ليتضح أكثر في هذا العمل. من ناحية أخرى قد تبدو المجموعة للبعض عصية على الفهم، وخصوصاً للقارئ غير الفلسطيني أو غير الملم بقصص الميثولوجيا والدين في بلاد الشام. لكن يبدو أن عزايزة دخلت هذه المنطقة الصعبة الشائكة وهي تدرك ذلك جيداً، إلا أنها خرجت منها بإله جريح، استطعنا أن نتحسسه ونلامس جراحه العميقة، وبسابق إصرار أو من حيث لا تدري كتبت الشاعرة نصاً سياسياً، ومع أن السياسي مقلقٌ بعلاقته مع الشعر وتأثيره بجودته خاصة في الموضوع الفلسطيني، إلا أن هذا لم يوقعها في فخ الشعارات والكليشيهات، الأمر الذي جعل من نصها شمولياً وجودياً أبعد من سؤال السياسة المعاصر، كأنها أرادت أن تقول إن قصتها مع الاحتلال بدأت قبل عصرنا هذا بكثير.
"اللد تأكلها النار/ وأنا تأكلني صفحات التاريخ/ وتهوي عليّ الجغرافيا بخرائط لا تنتهي/ وأبجدية الحاضر تمد لسانها في وجهي... كإله مكسور». هكذا ينهي "بعل" قصته في نصوص عزايزة، ليطلب العودة إلى رحم أمه نطفةً "لا تعرف حرباً ولا وعداً/ ولا رمحاً ولا عرشاً".